بما أن عملیة صنع السياسة العامة (Public policy) هي عبارة عن أداة تحلیلیة داخل النظام السياسي وذلك لتحديد الأنماط والعلاقات داخل المجتمع، وهي تخلتف من نظام سياسي الی نظام سياسي آخر وفي النتيجة تظهر علی شکل قرارات و سياسات، رغم إختلاف صانعیها. حیث أن السياسة العامة وظیفة لایمکن للأنظمة السياسية المختلفة التخلي عنها.
فیما يخص العراق بعد 2003، نری أن سياسة التعايش السلمي على اساس الحرية والاختيار الطوعي في الدولة العراقية المتصارعة قومياً وثقافياً وتاريخياً نشأت بعد فترة طویلة بشكل ضعیف، لکنها وبسبب السياسات العامة الخاطئة للنخبة السياسیة التي وصلت بعدها الی سدة الحکم أصبحت مسألة التعایش شبه غائبة.
هذه النخب السياسية لم تستطع صياغة هوية الجماعة الإجتماعیة عن طريق صوغ مشترکات عامة، بما ينسجم مع المنطلق العقائدي والتاريخي والثقافي للکیانات، أي أنها وبسبب سوء الإدارة فشلت في تسوية الإشكالات الأساسية للنظام السياسي، لأنه وکما معروف أن الولاء الإفتراضي يبقی دوماً مرتهناً بالقدرة علی تشکیل هوية وطنیة إندماجية، علی قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات في دولة الحقوق والعقل أو کما يسمی بالألماني بـ "Rechtsstaat" ناهیك عن إشاعة ثقافة الحوار والتسامح قبول الآخر المختلف وتفعیل النظام الفدرالي وإعتماد منظومة الدیمقراطية بهدف تحقيق التعایش السلمي والمصالحة الوطنية بین مکونات المجتمع العراقي.
فيما يخص إقلیم كوردستان، فإن شعب كوردستان الذي مرّ بمحن وأزمات تاريخية من أجل التکوين والصیرورة وتحقيق أحلامه في السيادة والإستقلال، أختار بشكل طوعي الإتحاد والإندماج مع الهوية الإتحادية، بعد تم إيجاد صيغة تفاهم عن طریق قيادات كوردستان تضمن حقوق الاطراف والمكونات في العيش بحدودها وتمثيلها الجديد، بعیداّ عن لغة التهديد والوعيد أو دق طبول الحرب أو إستعمال سياسة الإنتقاص من حقوق شعب الإقلیم.
إقليم كوردستان خطت كحصيلة للأستقرار الذي يتمتع به على المستويين السياسي والديمقراطي وكنتيجة لممارسة سياسة حكيمة مطلية بالدبلوماسية والشفافية والإيمان الكامل بالسلام والتعايش وإحترام الدستور، خطوات كبيرة نحو بناء نوع من التكامل الأقتصادي والتجاري، أکد غير مرة علی إستخدام الحوار البناء في حل مشاکله العالقة مع الحکومة الإتحادية بحیث توافق المصالح السياسية والإقتصادية بين الطرفين وتبرز رٶی مشتركة لقضايا وتطورات سياسية داخلية أو في المنطقة.
إن التأكيد علی تطبيق الشراكة الحقيقية في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العراق أمر ضروري لإعادة الإستقرار والسيادة لهذا البلد، فالأزمة الحالية تحتاج الی فكر مركب لمواجهة الوقائع وإعادة تشكيل المشهد و ترتيب القوی علی المسرح، ولكي نعيش أحسن، عليه أن نحسن العيش سوياً.
في السابق حاولت جهات غير وطنیة الإنقلاب علی الدستور داخل البرلمان ومنهم من حاول فرض حصار مالي علی الإقلیم والإسنتجاد بقوی خارجية لمقارعة الفكر التجددي المعاصر في إقلیم كوردستان و خلق أزمة سياسية وإجتماعية، بدلاً من العمل في سبيل الإستقرار الأمني والسلام الحقيقي بين المکونات والمذاهب والبدء بخطوات لتصفير المشاكل الداخلية برؤية شعبية عراقية، رغم معرفتهم بأن الدستور العراقي بنيَ على التوافق في التعايش بين هذه المكونات، لا علی أساس فرض إرادة السياسيين من الاسلاميين والقومويين ممن أرادوا إفشال الدستور الدائم بأي ثمن کان وذلك لتحقيق رغبات أولیائهم.
إقليم كوردستان المتمسك الی حدٍ ما بفصل الدين عن السياسة يسعی الی لأم الشروخ و دعم التعاون داخل المجتمعات الكوردستانية لإجتياز الحدود و رفع القيود المصطنعة علی شعب كوردستان.
لقد جمع شعب كوردستان تجارب في الدفاع والسياسة، إنه يستوعب المعادلات الداخلية والإقليمية و الدولية، يرسم خططه التكتیكیة والإستراتيجية بوعي وإدراك علی ضوء تلك النتائج التي يتوصل اليها، بعد تقييم واقعه و ظروفه الذاتية والموضوعية ليضمن الحفاظ على منجزاته و مسيرته.
لذا يدعم شعب إقلیم کوردستان وقيادته السياسية کل سياسة حکيمة تمارس من قبل الحکومة الإتحادية من أجل التعايش السلمي والشراکة الحقيقية وإنتصار إرادة الشعب العراقي في الحياة وفي العيش بحرية وشرف وکرامة، التي سوف تسود في النهاية، والتاريخ يٶكد أن إرادة الشعوب لاتقهر ولاتهزم ولاتخدع ولو بعد حين.