2017-05-02 06:47:00
لا أعتقد أن هناك موضوعاً خضع للمزايدات السياسية في كوردستان كموضوع تفعيل البرلمان الكوردستاني. المزايدون يهدفون في مزايداتهم الى إثارة الخلافات وبث السموم بين الناس وإرباك الوضع العام وزج الكوردستانيين في آتون الصدام مع بعضهم وإنهاك حكومة الإقليم والبيشمركه واستنزاف طاقاتهم، حيث يقفزون على الحقائق الرصينة والثوابت المتينة التي لايمكن تجاوزها ويتجاهلون المنطلقات العقلانية السليمة وحساب العواقب وإستيعاب المسؤولية وإستشراف المستقبل والضغوطات التي تقض المضاجع، والمعاناة والملابسات والأزمات المتنوعة، ويركزون على الأوهام والمشكلات والصراعات والتناقضات القاسية التي تؤثر على الأوضاع وتحول دون إندمال الجراح.
جميع تلك المزايدات مكائد مصطنعة ولها أدوار ومسارات تخريبية تستهدف الانسان الكوردستاني وحالته المعنوية وحاجاته الأساسية، أما تراكماتها فتهدد بالتراجع المخيف في الإنتماء للوطن، وتصاعدها يعني تعميق الجراح وتعطيل الحلول وتعقيد البسيط ودفع الناس بإتجاه السخط والاستياء والخروج عن السكة والحاضنة القانونية والدستورية وتعميم حالة الإحتجاج والفوضى عبر التجاوز والتطاول والمبالغات الممجوجة، والتخطيط الخبيث لإثارة الفتن والافتراء والتضليل والخداع والتهجم المسعور، وفبركة الإشاعات الرخيصة والدسائس بلا هوادة، من أجل التستر وراءها وعدم مواجهة الحقائق.
المزايدون الخاضعون للوهم والمزاج السياسي، يبنون تخيلاتهم وأساس طموحاتهم على أريكة الأوهام البعيدة عن أرض الواقع المنظور، بهدف منع إنكشاف أبعاد نواياهم، والأسئلة التي تطرح ذاتها في خضم هذه الأحداث هي:
كيف يتمكن أصحاب الآراء الرصينة من طرح التوجهات التي تحمل الصفات الوطنية والقومية التي تتطابق مع المنطلقات العقلانية؟
وكيف يمكن ردم شروخ التفرقة وهوة الخلافات والتناقضات، والتصدي للأفكار الفوضوية المفعمة بتشويه الحقائق والتوتر والبلبلة، وتجريد المزايدين من تخيلاتهم بحيث لا يستطيعوا حتى التمسك بأذيال أحلامهم؟
وكيف يمكن دفع الناس نحو التفاؤل وإنتهاج التقاليد السياسية الرشيدة، ومنع تحول المعقد في المسار الى كارثة تصعب معها لغة الحوار والتفاهم؟
وكيف يمكن دعم التوجهات المتطابقة مع الواقع في المعنى والمضمون، والمتوافقة مع الرغبات والتطلعات والمصالح العامة والتي تحمل بين جنباتها المفاهيم التي تكرس بناء الثقة والتواصل والعمل المشترك إستناداً الى منطق موضوعي وعقلاني يتجسد في إدراك أبعاد التحديات التي تواجهنا والمخاطر المحدقة بنا، وإعادة المسارات الى سبلها الصحيحة؟
وكيف يمكن أن نقرأ الحقائق، وأن نتجاوز الأوهام والخلافات الداخلية، ونحفاظ على المكتسبات المتحققة بدماء الشهداء ودموع الامهات، وأن نقدم التنازلات لبعضنا، بدلاً من تقديمها للآخرين؟
للإجابة على الأسئلة السابقة، نقول : تعطيل البرلمان الكوردستاني قضية تقض مضاجع المخلصين من أبناء هذا البلد، وبالذات المؤمنون بوطنهم وبقدرات شعبهم الذين أثبتوا أنهم يعشقون إستقرار الأوضاع الأمنية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية، واستكمال المسيرة الديمقراطية وبلوغها مرحلةالنضج. وعملية تفعيل البرلمان وأرجاعه الى وضعه الطبيعي، عملية سياسية لها آليات محددة تنطلق من أرضية معبدة بالثقة المتبادلة والنوايا الحسنة بين قادة وطنيين شجعان يتمتعون بحق الحديث بأسم أحزابهم، وهؤلاء سيتولون عبر المفاوضات المباشرة تقريب وجهات النظر وصنع الآليات المناسبة.
الحزب الديمقراطي الكوردستاني، المتضرر الأول والأكبر من تعطيل البرلمان ( لأسباب كثيرة نتناولها بالتفصيل في مقال آخر)، إنتهج السلك العقلاني، وقدم العديد من المبادرات والتنازلات لتفعيله، ولكن تعنت الذين كانوا السبب المباشر لتعطيل البرلمان ما زال مستمراً وما زالوا يزايدون لذر الرماد في العيون حيث يدعون الى تفعيله ولكن وفق الطريقة التي تتناغم مع أهدافهم الشخصية والحزبية، يتحدثون عن ضرورات تفعيل البرلمان الكوردستاني وعن سلبيات عدم تفعيله. ويذرفون الدموع، وإذا رأيتهم، تكاد تصدقهم وتصدق أمنياتهم للوهلة الاولى، ولكن عندما تسألهم : هل فعلاً تبحثون عن طريقة لتفعيل البرلمان؟ تجدهم يتخبطون وفي كل واد يهيمون، يرفضون الإستماع والإجتماع والعمل وفق برنامج واضح ومحدد أو مشروع له ألياته المحددة، ويرفضون كل السبل والإجراءات التي تتعلق بتفعيله والسير به بالإتجاه الصحيح.