ان النظام الفدرالي هو الشكل الذي حدده برلمان اقليم كوردستان العراق في 4/10/1994 كنمط علاقته مع الحكومة العراقية المركزية و بعدها الاتحادية ، و جاء تحديد هذا النظام من طرف واحد دون تفاوض و حوار مع بغداد ، و قد كان خطوة خارج المألوف عن السابق فأن تحديد شكل الارتباط والعلاقة بين الشعب الكوردستاني و الحكومات المركزية المتعاقبة كانت نتاج وثمار مفاوضات و زيارات للوفود و نقاشات طويلة او قصيرة ، كما هو الحال في بيان الحكم الذاتي في 11/اذار عام 1970
و معلوم ان النظام الفدرالي يقوم على توسيع صلاحيات تشريعية و تنفيذية و قضائية ، و قد كانت الحكومة المركزية تمر بأصعب مراحلها بعد اخراج القوات العراقية من دولة الكويت و دخول القوات التحالف و قيام الانتفاضات الشعبية في الجنوب و الشمال و لكن الشعب الكوردستاني قرر بإرادة حرة البقاء مع العراق وفق النظام الفدرالي الذي توسع فيما بعد ليكون دولة الامر الواقع في علاقاته الداخلية و الاقليمية و الدولية .
إن فدرالية اقليم كوردستان اصبحت محط انظار المجتمع الدولي برمته لكونها تجربة ديمقراطية فريدة تشهدها المنطقة بالاضافة الى أن جميع قوى المعارضة العراقية في وقتها كانت تحلم بها ، و تتوعد بالسير على خطى الشعب الكوردستاني اذا ما سنحت لهم الفرصة من استلام زمام الحكم في بغداد ليكون العراق نموذجاً لدولة مدنية قائمة على اساس المواطنة والتعايش السلمي تحسدها الدول و الافراد .
استطاعت القوى السياسية المعارضة و بمساعدة التحالف الدولي من اسقاط النظام عام 2003 لتبدأ خطواتها نحو بناء دولة ديمقراطية دعائمها مساواة و عدالة اجتماعية و لعب الشعب الكوردستاني دوراً رائداً .
اقر الدستور العراقي لعام 2005 النظام الفدرالي للاقاليم و اللامركزية الادارية للمحافظات غير المنتظمة في اقاليم كشكل العلاقة بينها و بين الحكومة الاتحادية ، أي ان النظام الاداري و السياسي العراقي الاتحادي كان قائماً على الفدرالية و اللامركزية الادارية في آن واحد .
لكن الغريب في الموضوع ان الوعود و الاتفاقات سرعان ما تجري عليها التغيير قبل استلام السلطة و الاستيلاء على كرسي الحكم و بعدها ، فأن محاولات الحكومات العراقية كانت مستمرة لألغاء النظام الفدرالي بشكل مباشر او غير مباشر و بدرجات متفاوتة في المراحل المختلفة ، و لكنها كانت تصطدم بحاجز البنود والمواد الدستورية ، و ان فدرالية اقليم كوردستان كانت قبل تأسيس العراق الاتحادي ناهيك عن موقف المجتمع الدولي و دفاعه عن فدرالية اقليم كوردستان , اذن النيّات كانت تظهر بين فينة و أخرى و القرارات الاتحادية المتعددة تشم رائحة المحاولة لأنهاء النظام الفدرالي ، و يعود الى العقلية الحاكمة التي لا تستوعب غير النظام الشمولي المركزي القابع على جميع مفاصل الحياة ، و هذا يعني ان الصراع كان قائماً دون الاعلان عنها و من دلالات ما ذكرناه :
- ان الدستور العراقي منح المحافظات حق تأسيس الاقاليم الفدرالية وفق السياقات القانونية المتبعة و لكن الحكومة الاتحادية لم تسمح طيلة (13) سنة السابقة قيام أي اقليم فدرالي رغم المحاولات و الدعوات المستمرة و خاصة محافظة البصرة او غيرها ليبقى اقليم كوردستان و حيداً و سهلاً لأن الامر سيكون اصعب اذا ازداد عدد الاقاليم الفدرالية .
- عدم تقديم المساعدات العسكرية لقوات البيشمةركة طيلة فترة قتاله مع التنظيمات الارهابية و خاصة (داعش) عند هجومه على الاقليم في عام 2014 و بعدها و حتى عدم الاشارة الى تضحياته و دوره الفاعل في مناسبات عديدة و تصريحات صحفية ، و عدم اعتباره جزءاً من المنظومة الدفاعية الاتحادية .
- قطع الموازنة و المستحقات المالية و الرواتب عن حكومة الاقليم منذ اكثر من ثلاث سنوات بحجج و اسباب واهية ، و الصراع المستميت بين نواب الاقليم و الحكومة و مجلس النواب على نسبة حصة الاقليم في الموازنة كموضوع سنوي ساخن ينظره المواطن بتلهف .
- قبل اجراء الاستفتاء الكوردستاني في 25/9/2017 و بعدها اظهر الجميع على حقيقتهم و ان اصحاب الافكار و الاراء المتقدمة والنيرة و بناة الديمقراطية و الحرية و المساواة كشفوا النقاب عن وجوههم ليصب جل سمومهم الخبيثة لمجرد ان الشعب الكوردستاني مارس حقاً شرعياً بطريقة ديمقراطية بحيث دفعت هؤلاء الى التفكير و الممارسة من اجل الغاء فدرالية الاقليم على الرغم من قناعتهم بعدم قدرتهم على تعديل الدستور النافذ في الوقت الحالي لذا لجؤوا الى اساليب التدخل العسكري و احتلال كركوك و المناطق الكوردستانية خارج الاقليم و الاستيلاء على الابار النفطية و غلق باب الحوار ليدخل الاقليم في دوامة يكاد الخروج منه صعباً وسط عدم دفع الرواتب لوجود موظفين مزدوجي الرواتب او اكثر و عدم وجودهم في الاقليم و بعد جهود حثيثة استجاب للضغوط الدولية فارسل اللجان المختلفة و المتخصصة لتدقيق قوائم رواتب الموظفين و تحديد التجاوزات و الاختراقات القانونية من اجل التعديل ، و من ثم ارسال الرواتب ، و اخيراً و ليس آخراً ترغب الحكومة العراقية الاتحادية التعامل مع المحافظات بشكل مباشر و تهميش دور الحكومة و ربما إلغاءها اذا تمكنت و محاولاتها المتكررة للسيطرة على المنافذ الحدودية او غلقها بالاتفاق مع دول الجوار، بالاضافة الى غلق المطارات بوجه المسافرين و الوفود الرسمية ، و لا تزال المحاولات تجري على قدم و ساق من اجل اقرار نظام اللامركزية الادارية او على الاقل اقرار نظام فدرالية المحافظات التي دعى اليه السيد مام جلال طالباني عام 2008 عندما كان رئيساً للجمهورية .
و في كل الاحوال فأن خطوات الحكومة الاتحادية و قرارات مجلس النواب و المحكمة الاتحادية تشير الى محاولاتهم لإلغاء النظام الفدرالي لأقليم كوردستان في وقت دخل المواطن الكوردستاني حالة اليأس و حالة اقتصادية مزرية ينتظر اليد الذي يدفع راتبه و يؤمن عيشه اينما كان ، و قد اشبع من الوعود و التصريحات شبه اليومية لتحسين الحالة المعاشية .
اذن نحن بحاجة الى تعديل او تغيير في العقلية الحاكمة دون تغيير الوجوه و الاسماء ، و سيحققون مآربهم إذا تمكنوا من ذلك وأنه الصراع الابدي بين الشعب الكوردستاني و من يحكم بغداد و لكن يبقى الشعب الكوردستاني صامداً قوياً لا يعير للمحاولات و المؤامرات قيمة .