صدرت عن مجموعة معارضين سوريين ونشطاء وسياسيين واقتصاديين وضباط منشقين "مبادرة من أجل جمهورية سورية اتحادية". نشرت في (المرصد السوري لحقوق الإنسان (. لا شك أنها مبادرة وطنية قيمة في مجملها، ولكنها وللأسف جاءت متأخرة، فليتها كانت في مقدمة الثورة، أو كان برنامجا للمعارضة في عام 2011م، وهي تشبه ما طرحناه في المجلس الوطني الكردستاني-سوريا عام 2006م لبناء سوريا المستقبلية، واعتبار الكرد القومية الثانية في الوطن، ولا زلنا ملتزمين به. ولإغنائها كان لنا بعض الملاحظات عليها، اختصرناها في النقاط التالية:
1- المبادرة في بعض بنودها مواجهة قيمة للواقع السياسي والثقافي الجاري، لكن من أوائل متطلبات بناء وطن للجميع، هو التحرر من مفاهيم هيمنة القومية الواحدة والدين الأوحد والمترسخة على مدى عقود طويلة، وللأسف ما يلاحظ في الإعلان، رغم ما يتم فيه الاعتراف بالأخر تظل السيادة هي ذاتها، سلطات عربية إسلامية، وللأسف هذه تبين أن أراء القائمين على كتابة أو صياغة أسم الدولة الوطنية القادمة مرتبكة، كما كان عليهم طرح (النظام الفيدرالي) مباشرة ودون التلاعب بالاسم، فالصيغة المتلائمة مع الأبعاد السياسية العالمية هو النظام الأكثر تداولا وبنيت عليها الدساتير منذ قرون، والتي تتبناها أكثر من 70% من دول العالم وأكبر 10 دول، أي أن يكون أسم الوطن (الجمهورية السورية الفيدرالية) وهنا السؤال ما الذي يحرج الإخوة العرب في مواجهة الواقع، لماذا الرهبة من الحقيقة؟ ولماذا يتحايل المبادرون على الذات، فمن المعروف أن الإتحادية هي ذاتها الفيدرالية؟
2- البندين الخامس عشر والسادس عشر يتعارضان مع مفهوم سوريا الوطنية الإتحادية، ويعيدان منطق هيمنة قومية ودين على الأخرين، وبالتالي أي دستور يصاغ على هذين البعدين يكرسان سلطة القومية الواحدة وسيادة الشريعة أي النظام الإسلامي وبالتالي تلغى أو تحصر بشكل طبيعي حقوق الأقليات الدينية الأخرى، فالعمق الوطني والمصداقية في تطبيق مفاهيمها لا ينسجمان مع هذين البندين، وبالتالي يجب تعديلهما أو إلغائهما، أو إضافة بندين: الأول يحقق للقومية الكردية العمق الكردستاني، الوطن الذي تم تجزئته بين تركيا وإيران والعراق وسوريا، وهذا العمق ليست بسلبية أو ناقصة لسوريا المستقبلية بل سيكون ثراء لقادمها، مثلما للعرب العمق العربي، فالكرد هم القومية الثانية في سوريا، ويجب التعامل معهم على هذه المنطق، أو العمق السوري مع الدول الصديقة. والثاني يعطي للأديان الأخرى نفس الحقوق في الدستور مثلما للإسلام، أو يتم فصل الدين عن الدولة في الدستور.
3- تقسيم سوريا إلى عدة أقاليم خطوة مهمة، لكن ليس على مبدأ الأبعاد الاقتصادية والتناسق الجغرافي، فعفرين تتناسق مع حلب وإدلب، والجزيرة مع محافظة الرقة ودير الزور، وبالتالي سيتم تقسيم المنطقة الكردستانية إلى إقليمين منفصلين، في الوقت الذي يجب أن يربطهما عامل القومية واللغة قبل الاقتصاد، فإهمال بل رفض البعد القومي أو المذهبي كما تم ذكره، تتعارض مع المنطق الوطني ولا تقلل من الصراعات والسلبيات وإشكاليات الواقع المعاش، ولا تحل القضايا الخلافية، فإهمال الأبعاد القومية والمذهبية، تكرس الخلافات الدينية والقومية واللغوية والاجتماعية ذاتها والتي أفرزها الاستعمار، وخلف وطنا غير متناسق وغارق في القضايا القومية والمذهبية، واستفادت منها السلطات الشمولية الدكتاتورية السابقة.
4- لا شك ذكر أسم الكرد كشعب يعيش على أرضه التاريخية، طفرة نوعية وطنية يستحق التقدير، ولكن لا بد من تطويرها بفرز خصوصية لتلك الجغرافية، كإقليم فيدرالي، فبدون تطوير المفهوم أو إغنائه قد تستمر الإشكاليات العالقة منذ قرن تقريبا، وقد لا تزيل المخلفات السلبية التي نتجت عن سياسات التمييز العنصري بحق القومية الكردية، وربما سيستمر الغبن المماثل للماضي، ولكن بأوجه مختلفة.
5- لا بد من إضافة بند خاص حول المضار والسلبيات التي نتجت عن مسيرة التعريب وعمليات الاستيطان والتغيير الديمغرافي للمنطقة الكردية، وإعادة النظر في نتائجها الكارثية، والتي قامت بها السلطات العربية منذ حكم حزب الشعب مرورا بسلطة الناصريين ومن ثم البعث والأسدين.
6- وعن البند الثامن عشر المضاف حديثاً إلى المبادرة، تعد وهي بهذه الصيغة وحيث المحاصصة إجحاف بحق المرأة، وكما أرى أنه يتناقض مع المساواة المنشودة في المبادرة، وإن كانت النسبة المعروضة مبنية على وعي المجتمع، فالأفضل التوجه نحو توعية الشعب، وليس تحديد المحاصصة.
7- بالتأكيد وبشكل عام، ما يتم طرحه خطوات وطنية تستحق بعضها التقدير والثناء، ولكن أخرى تحتاج إلى تعديل لإزالة ما خلفه الاستعمار الفرنسي -البريطاني، اللذين قسما الشرق الأوسط محافظين فيها على البنية المتضاربة، لئلا يكون هناك وفاق بين شعوبها، وتظل تعيش الصراعات الدائمة، وعدم الاستقرار على المدى الطويل، وما نراه من الدمار وما سبق، كظهور السلطات الشمولية، والأنظمة الفاسدة، هي من نتائج تلك السياسة، لذلك يتطلب من الأخوة القائمين على المبادرة الجرأة والمصداقية بإعادة النظر في بعض البنود ومواجهة الواقع. فبعضها لا تنقذ الوطن بل قد تزيد من التعقيدات الجارية. فالتمسك بمنطق السيادة العربية والإسلام، رغم أنه واقع ولا خلاف عليه، لكن فرضه بمثل ما ورد لن تحل ما نحن فيه من الأوبئة الثقافية والسياسية.