2017-04-10 12:07:00
إستيعاب الصورة الكاملة للوضع العراقي الحالي, بحاجة الى إلتقاط المفاهيم الحقيقية المتعلقة بالأكثرية (العربية) والمكونات الأخرى ومقارنتها بما موجود في مخزونات الذاكرة من حالات تدور في فلك القلق والتوجس والخوف لا لذنب سوى عدم الإنتماء الى الأغلبية، وحالات التكبر والإستعلاء بسبب الإنتماء الى الأكثرية، كما يحتاج الى طرح تساؤلات نابعة من الأعماق لإستشراف الآثار النفسية على المنتمين للمكونات الأخرى المتهمين على الدوام بالخيانة والتآمر ضد الدولة والأكثرية والأمة العربية وأحياناً ضد الدين الإسلامي.
عاش الإنسان العراقي في مجتمع تختلف فيه إشكاليات الأكثرية والأغلبية والتعابير والمصطلحات التي تتعلق بهما، وتتداول فيه تعابير تدل على معان ربما أعمق بكثير من المقصود بها عند المجتمعات الاخرى، لذلك خاض تجارب صعبة تمنعه من الإختيار بين السهل والأسهل وبين الصعب والأصعب وبين المهم والأهم. ونتيجة لذلك عانى ويعاني من ظاهرة الانقسام المجتمعي الذي لايسمح بالتعامل مع المفردات ضمن حدودها وخواصها وإيجابياتها وسلبياتها، ولايسمح برفض السلبيات أو العمل ضمن نطاق الإيجابيات، أو على أقل تقدير العمل في الفسحة الموجودة بينهما وإختيار القريب ثم الاقرب من الإيجاب والإبتعاد شيئاً فشيئاً عن التعنت والحرج والعناد.
الأكثرية (العربية) في العراق، تريد أن يخضع الجميع لمقاييسها، وتستكثر كل حقوقهم القانونية والدستورية وتتشبث بالتزمت والعسر، وتنتهج سلوك إقتناص الفرص بالابتزاز والايقاع بالآخرين، وتأزيم الأوضاع والصراع المحفوف بالألغام والمخاطر. وتتذرع بذرائع وأسباب بعيدة عن التحليل العقلاني لنماذج التجدد والعطاء، ولكن حينما تقع في إشكاليات تفاوتية متباينة وفي ظروف قاهرة لا تستطيع فيها توظيف شعاراتها من أجل الخروج من المأزق، تضيع بين قطبي التعالي والاستنجاد بالآخرين، وتضيع عنها الحقيقة في الإعتقادات، وتعود حينها بشكل مؤقت الى تكرار عبارات الأخوة في الدين والوطن والمصير والتاريخ المشترك والمصالح المشتركة.
لو اخذنا نموذجاً من ممارسات الذين تسلطوا على رقاب العراقيين، في عهد البعث الفاشي، نلاحظ إنهم فقدوا صوابهم وأضاعوا عقلهم وكرسوا كل جهدهم وخبثهم في مصادرة الحريات والرد العنيف على كل حركة مناوئة ومعارضة لهم، وحقدهم الاعمى دفعهم في الكثير من الأحيان الى إشعال نيران الفتن والشقاق والكراهية والتخندق والنعرات الطائفية بين مكونات العراق الرئيسية ( الشيعة - السنة - الكورد ). من خلال التفرقة القومية والدينية والطائفية، ومن خلال التغيير الديموغرافي، بالترحيل والتعريب والتهجير تارة، وبالتغييرات الإدارية تارة أخرى والاقتطاع من محافظة وتكبير اخرى. وبإنتهاج سياسة الأرض المحروقة وعمليات الانفال وإستعمال الأسلحة المحرمة أخلاقياً ودولياً، والحصار الاقتصادي. وإنهم حاولوا بشتى الوسائل أن يحرفوا الحقائق وتشويهها عبر تسييس الخلافات من أجل مكاسب سياسية وحزبية وقومية، وعبر الانغلاق والتحيز الأعمى أو حتى الإحتراب وإختلاق الاختلاف والتفرقة تحت يافطات مقيتة تعد الذين لا يعتنقون ما يعتقدون، إما خارجين عن الدين، أومارقين في السياسة.
أما فيما بعد البعث، وبالذات خلال السنوات الثماني العجاف التي تسلط فيها نوري المالكي والقريبون منه على الرقاب، فقد لاحظنا تكرار السياسات السابقة بحلل جديدة مترافقة مع الإفراط في التخلف والغباء والاستغباء والعنف والقمع والإنتقام، ومحاولات لتحرف الحقائق وتشويهها عبر تسييس الخلافات من أجل مكاسب سياسية وحزبية وقومية، وعبر الانغلاق والتحيز الأعمى أو حتى الإحتراب وإختلاق الاختلاف والتفرقة تحت يافطات مقيتة تعد الذين لا يعتنقون ما يعتقدون، إما خارجين عن الدين، أومارقين في السياسة.
وفيما بعد المالكي وبالذات، بعد رفع علم كوردستان في كركوك بشكل رسمي ( بجانب العلم العراقي)، فقد تبين للجميع فضائح العقل المزاجي عند النخبة العربية التي تجلس تحت قبة البرلمان العراقي، وفشل العراقيين وبرلمانهم وتكشف الأقنعة المزيفة، وأسباب تسلل مفردات التهميش والتنكيل والعداء والثأر والتناحر الى نفوس الذين عبروا بصراحة عن الخشية من الخطابات الاستفزازية ونشر الكراهية والعنف الطائفي وصناعة اللأزمات المتتالية، ومن مخاطر الرغبات في إستغلال المستجدات لمآرب وأهداف خاصة، تتمحور حول الثأر والإنتقام الطائفي والقومي والسياسي وتأليب الرأي العام العربي العراقي ضد الكورد. والمفارقات في الأمر هو أن موقف هؤلاء النواب لم يكن متفقاً بهذا الشكل قبل الآن تجاه أي موضوع طرح في البرلمان، سواء تجاه تسليم ثلث العراق الى الى الدواعش وإهدار المليارات من ثروات العراقيين، أوبشأن علم داعش عندما تم رفعه في الموصل وتكريت والرمادي وعندما تم إنزال وتحقير وحرق العلم العراقي، ولم يكن متفقاً بهذا الشكل تجاه العلم التركي الذي رفع في بعض المناطق. كما لم نشهد في عم البرلمان العراقي عقد جلسة برلمانية بهذه الطريقة الدراماتيكية وتمرير قانون أو قرار بهذه السرعة الخارقة. (طبعاً عدا التي تتعلق بالإمتيازات الشخصية للنواب).
هذه المفارقات أكدت تشابه عقليات هؤلاء النواب ومواقفهم تجاه الكورد وكل ما يتعلق بالقضايا القومية العادلة، والإعتقاد بأنهم جميعاً من عجينه واحدة وفكر واحد وثقافة شوفينية واحدة، وإن الوضع اللامستقر في العراق وغير الآمن، هو نتيجة حتمية لتصرفاتهم السلبية السلطوية، وعدم إعتبار الكورد شركاء حقيقيين. أما الإختلافات بينهم فهى :
بعضهم يفضل علم داعش على علم كوردستان، وبعضهم يفضل علم دولة مجاورة على علم كوردستان، وبعضهم يختلف عن الآخرين في زمان ومكان وطريقة ممارسة الخباثة والتحريض والعداء والتعريب وتنفيذ المؤامرات والجرائم، سواء على الارض بإستعمال كافة أنواع الأسلحة أو داخل البرلمان للإيغال في الإستخفاف بالشعب الكوردي من خلال إستغلال التفوق العددي في خلق الفوضى وتأزيم الاوضاع وتخطي الحدود المعقولة في إفتعال الأزمات القابلة للاشتعال في أية لحظة.