لايمكن فصل أحداث انتفاضة تشرين التي انطلقت ببغداد عن أحداث كبرى في الشرق الاوسط . فالانتفاضة في لبنان ، والتظاهرات في طهران يربطهما خيط دقيق مع انتفاضة تشرين لا يخفى على ذي بصيرة ثاقبة .
تشترك هذه الانتفاضات الثلاث بالواقع المزري للحكومات المهيمنة في هذه البلدان والتخلف المريع الذي تميز في نقص الخدمات الاساسية والفقر المدقع الذي شمل قطاعات واسعة من الجماهير ومواطني هذه البلدان واستشراء الفساد والرشوة في جميع مفاصل الحكم وعلى الاخص في لبنان والعراق .
إن اي اضطراب في بلد ما يستقطب عدة اطراف منها الطامعة أو النافعة . وبالنسبة للعراق الذي كان وما زال ساحة صراع لعدة قوى متنافسة في المنطقة والعالم ، ظل يدفع ثمن موقعه الجغرافي وثرواته البشرية والمادية وعلى الاخص ثرواته النفطية و الزراعية ومياهه التي كانت منذ مئات السنين هدفا للجياع الباحثين عن الماء والكلأ .
عاث نظام العصابة الصدامية طوال ثلاثة عقود فسادا في العراق وأشعل حروبا عبثية مع دول الجوار أدت الى دمار شامل في الارواح والاموال.
بعد سقوط العصابة الصدامية استلمت السلطة أحزاب ورموز لم تكن بمستوى المسؤولية فزادت الخراب خرابا لسرقتها ما استطاعت من ثروات البلاد ، فاهملت التنمية وانتشر الفساد في جميع مفاصل الدولة والمجتمع ولم يـبـق أمام المواطنين سوى الخروج الى الشارع والساحات العامة للاحتجاج والتظاهر من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة ومن خلال انتخابات نزيهة تأتي بالكفوء والنزيه لا برجال الاحزاب المتحاصصة لغنائم البلاد .
ولاستثمار هذه الحركة الاحتجاجية الواسعة دخلت على التظاهرات قوى ترغب في تحقيق اهدافها وأعظم تلك القوى هي امريكا التي تعمل على وضع يدها على نفط المنطقة ولا تخفي ادارة ترامب ذلك وتصرح به علنا ولنا في السيطرة على نفط شرق سوريا خير مثال على هذا الهدف ، فالاستراتيجية الامريكية هي السيطرة على منافذ المنطقة الثلاثة وهي مضيق هرمز وباب المندب ومضيق جبل طارق .
هذه الاستراتيجية تتيح لامريكا السيطرة على انتاج النفط وتسويقه في العالم ومنع الصين من زيادة امكانياتها في التنمية والتفوق على امريكا في المستقبل وخنق مشروعها الطموح ( حزام واحد طريق واحد ) الذي يجري العمل فيه على قدم وساق .
لذلك تحاول امريكا السيطرة على نفط العراق من خلال حكومة موالية لها بعيدة عن النفوذ الايراني المعادي لها ومن أجل التضيـيق على الاقتصاد الايراني الذي يسـتـثمر في بلاد الرافدين ليدعم اقتصاده .
فالنفط في الخليج وايران والعراق والبحر الاحمر وسوريا وليببا والجزائر سيبقى الهدف الاول للمطامع الامريكية وسيستمر الصراع الاقليمي والدولي في العراق لامد ليس قصيرا ، ولا خيار أمام العراق سوى إدارة الازمة باسلوب الابحار بين الحيتان ومحاولة النجاة من الوقوع في المصيدة والسير بحذر وسط هذه الامواج الصاخبة ، واللعب على حبال المصالح للقوى الكبرى وهي الصين وروسيا وامريكا واوربا . ولا يتحقق ذلك بمثل الحكومات التي حكمت سابقا وسار الركبان في قصص فسادها المادي والمعنوي . ولهذا تستمد الانتفاضة شرعيتها من شرور هذا الفساد .