نتذكر جميعا ما من حدث أو مرض أو وفاة أو رزق أو زواج إلا وقيل فيه مثلا أو أقصوصة، حتى غدت "قالت جدتي" أو كما قال فلان أو يقول المثل، عادة كلامية في التحادث والتوصيف في بحر من الأمثال والحكم والعنعنات التي لم نعرف أولها ولم نستبشر بآخرها، حتى خرج علينا من قال إن الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه تحدث عن فيروس كورونا وكأنه في عصرنا هذا، ولكي لا نحتكر نسج القصص وفن صناعة التأويلات والتفسيرت والروايات ذات الخيال الذي لا يختلف عن الخيال العلمي إلا باعتبار الأرنب من الحشرات، فان العديد من أشباه ما عندنا في الغرب ينحون ذات النحو في توليفيات ومقاربات لجسم وصفوه بالميت سبب كل هذا الفزع والإرهاب الذي تجاوز إرهاب مجاهدي الذبح والسلخ والسلق والخنق والحرق في ما سمي اختصارا لوحشية بني ادم بـ داعش!
أعتقد إننا أكثر شعوب العالم صناعةً وصياغةً وتداولاً للأمثال والحكم، ناهيك عن إنَّ منطقتنا هي الوحيدة من الكوكب الأرضي التي انبثقت منها الأديان، وظهرت على أديمها الرُّسل والأنبياء والأولياء والتلامذة والصحابة والأئمة وو..إلخ، أولئك الذين نقلوا لنا رسالات أو شرائع أو طرق أو نصائح أو حكم أو نظريات لأجل أن تترتب حياتنا وتنتظم علاقاتنا الاجتماعية وننتقل من البداوة والتخلف إلى المدنيّة والإنسانيّة التي أرادها الله أن تعمر الأرض وتشيع العدالة والقيم العليا، والتي بشر بها حمورابي ربما قبل الكثير من الأديان هو وفراعنة مصر قبل أن يأتيهم طوفان النبي موسى.
ومنذ ذلك الزمان يطلق حكماؤنا والعوارف كما يوصف أهل المشورة، نصائحاً وأمثالاً غدت في الكثير منها ما يقرب من القوانين والأعراف، حتى مالت كفة الميزان لها في كثير من الأحكام، فما بالك وموروثنا الشعبي الذي يرسم لكل حالة وصفاً أو حسجةً أو مثلاً، والغريب أن آلاف الأمثلة والنصائح لم تحدث تغييراً مفصلياً في الذي استهدفته في عملية التقويم، وخاصةً أولئك الّذين في عليين من المجتمع والدولة والنُّخب، كما هو في التعاليم الدينية، حيث يتحدث بها الأغلبية لكنهم بعيدون جداً عن تطبيقاتها، وهكذا دواليك عن كثير من الادعاءات حينما نقارنها مع التطبيقات الميدانية.
عموماً لكي ندخل في صلب موضوعنا عن القرش الأبيض، بدءاً من الأسرة ووصولاً إلى الدولة، وكيف نجحت أو فشلت في استخدام ذلك القرش في ما نحن فيه الآن، ومنذ أن بدأ فيروس كورونا يجتاح المجتمعات البشرية في الكوكب بادِئاً بالصين وأهلها، حيث العالم منهمك بوضع شتى الخطط والترتيبات لكي يقي سكانه همجية هذا الكائن الميت كما يقولون، حتى وصلت العديد من الدول التي تحترم القرش الأبيض وتجيد التصرف به إلى توزيع كميات منه للأُسر والأفراد التي انقطعت بها السبل بعد إيقاف حركة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، خاصةً أولئك الّذين يعتمدون على أكتافهم كما يقولون في لملمة أرزاقهم ذات الأجر اليومي أو الأسبوعي، لكن في المقابل أيضاً وفي الدول التي لا تعرف قيمة القرش الأبيض، وتصنع بسياساتها الأيام السوداء، بانت عوراتها في التبذير والفساد المالي وظهر بؤس حالها أمام أوّل تحدٍّ جدي كشف استهتارها في التصرف بالقرش الأبيض على مستوى الأسرة وصعوداً إلى الدولة، حيث سيواجه العالم تداعيات اقتصادية واجتماعية غاية في الصعوبة بسبب هذا الانهيار السريع في أسعار النفط وتوقف الشركات والمعامل، ناهيك عمّا تركه منع التجوال والحركة من آثار سيئة جداً على الوضع المالي لكلا الطرفين الأسرة والدولة.
وبينما ينهمك العالم ليل نهار يداً بيد مع العلماء الباحثين عن علاجات للمرض من أجل هؤلاء المتضررين، تنشغل معظم شعوبنا المخدرة بالشعارات والروايات والميثولوجيا التي تتآكل بسبب كثّافة استخدامها، حالها حال تلك الأمثال والحكم التي أصبحت أقرّب للتندر والسخرية منها إلى التقييم والعبرة، في خضم فوضى عارمة للفساد والتشرذم وتعدد الولاءات والزعامات ضاع فيها القرش الأبيض بين حاكمٍ يحسب نفسه نصف إله، وبين جاهل يصرُ بأنه النصف الثاني منه!