2016-12-13 12:11:00
صبحي ساله يي
حينما تحرر العراق من براثن دكتاتورية صدام وحزبه الفاشي، كانت التقديرات تشير الى أن العراق سيبتعد عن الزوابع وغبار الصدمات، وستندمل جراح العراقيين وتنتهي آهاتهم، وسيعيشون في ظل دستور يكتبوه وحكومة ينتخبوها، وسيسيرون نحو شاطىء الأمان والديمقراطية. لكن الرياح سارت كما لم يتوقعه الكثيرون، حيث تحول التفاؤل الى إحباط، وتدهورت الاوضاع، وإختلطت الاوراق وعمت الاضطرابات وزادت التدخلات الأجنبية، وتعمقت الجراح بسبب الأخطاء الفادحة وتأثيرات النظام السابق على السياسيين وتراجعهم عن وعودهم، وإنقلاب بعضهم على البعض الآخر وعلى الشعب، وتشابك مصالحهم الشخصية والحزبية مع المصالح العامة حتى وصل الصراع والإحتقان الى ذروتها في عهد مختار العصر. مع ذلك مازال البعض (السنة) يحلم بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، أو يريد أن يخفي النيران الملتهبة وتهدئة النفوس بخطابات التسامح والتصالح وأخوة الوطن والمصير المشترك، ويعتبر الأحداث الماضية، مؤامرة إستهدفت الجميع في غفلة من الزمن، أما البعض الاخر(الشيعة) فيتشبثون بما حصلوا عليه من نفوذ وسلطات وأموال ويريدون أن يعوضوا عقوداً من الحرمان، بينما آخرون (الكورد) يريدون أن يعيشوا في وطن يحترم فيه الدستور ولا يعتبرون فيه مواطنين من الدرجة الثانية، لذلك ينادون من أجل إعادة رسم خرائط جديدة لينالوا حقوقهم الطبيعية، ويرون التقسيم طريقاً حتمياً نحو التحرر.
المتشائمون والمتفائلون، تتطاير منهم أفكار كثيرة، متشائمة ومتفائلة ولكل منها مبررات تصل الى حد الإقناع والإقتناع، بعضهم يرى أن الأمور ستسير على حالها، والعراقيون سيخوضون صراعات بينية تدمر فيها الأخضر مع اليابس حفاظاً على وحدة دولة لم تكن موحدة أبداً، بينما غيرهم يرون النصف المملوء من القدح، ويناقشون بإسهاب أسباب فشل التجربة الفدرالية، ويؤكدون على أن الوحدة الفاشلة باتت غير مطلوبة، وأن حل جميع المشكلات والمعضلات يكمن في اللجوء الى ممارسة حق تقرير المصير.
الأفكار التي تدور في فلك المنطق والعقل والتي تقترب من مناهج تستند إلى الواقع وتعبر عن تطلعات مشروعة، تؤكد على أن التقسيمات المجحفة التي حدثت بعد الحربين الكونيتين الاولى والثانية كانت تتناسب مع مقتضيات الحال (في ذلك الوقت) حقناً للدماء، ولكنها لا تصلح أن تكون نموذجاً لما حصل بعد الحرب الباردة، ولاتتناسب مع تطلعات المكونات الرئيسية الثلاث في الحصول على كيانات سياسية خاصة بها، لأنها (المكونات الثلاث) تريد تسخير طاقاتها في البناء والتنمية، بدلا من حشد الحشود والتهيوء للتقاتل مع الآخرين.
الدلائل تشير الى وجود رغبات للجلوس على طاولات التفاوض، وتجربة فكرة الاعتراف بالحدود التاريخية، والغاء الخرائط غير المبررة وإعادة ترتيبها وتركيبها من جديد، طالما أن ذلك سوف يتجاوز الاختلاف ويمنح الجميع الأمان والسلم الأهلي والإستقلال والسلطة، ولكن هناك أيضاً، أناس متمسكون بآراء خادعة ومخادعة، يتاجرون بالوطنيات ويبحثون عن الإطمئنان في بحر الأوهام حفاظاً على مكتسباتهم السياسية والحزبية، يتمسكون بالمستحيل ويهربون نحو الأمام ويريدون فرض الشراكة من خلال محاججات الغرور والسلوك القاتل، والإلتفاف على جوهر المشكلات بحجة عدم وجود خطوط واضحة وغياب الرؤية الكاملة وعدم وجود حدود واضحة بين المكونات الثلاث، ودعم كيان كان على الدوام مدعاة للتناقض والتعاكس.
وبين هؤلاء وهؤلاء، هناك اناس يدركون ان العراق ماض الى التقسيم، لا محالة، لذلك يتبنون هذه الحقيقة ويضعونها في حساباتهم الآنية والمستقبلية ويتصرفون على ضوءها اختزالا للوقت وتوفيراً للطاقات، ويعتبرون التوصل الى رسم الحدود الواضحة بطرق ومقاسات معينة بين المكونات ممكنا بل وسهلا من خلال الإحتكام للعقل، وعقد العزم على تسوية المشكلات، لأن المشهد السياسي العراق لن يتحمل المزيد من تناقضات التسويف والمماطلة وضياع الجهود.