من الواضح أن للتوترات الإقليمية والدولية في المنطقة تداعيات سياسية وإستراتیجية علی علاقة إقلیم كوردستان بعالمه الإقليمي والدولي، فمستقبل الإقلیم من ناحیة التهديدات والفرص مرهون بتضارب وتناغم مصالح القوی الإقلیمیة والدولية.
إقلیم كوردستان، کجزء من خارطة العراق الفدرالي و القرية الكونية الصغيرة التي نعیش فیها، تعلم بأن الترابط والتشابك بين مصالح المجتمعات الإقتصادية والثقافية لافكاك بینها، لذا تطمح حكومته الى الحفاظ على علاقاتها الدولية على أساس التفاهم والأحترام المتبادلين وتؤمن بأن إستخدام الوسائل الديمقراطية السلمية هو الطريق الناجع لحل القضايا الداخلية والإقلیمیة والکونية.
هذە الفلسفة ساعدت نوعا ما بشکل إيجابي في تنامي وتطور الوعي السياسي والإجتماعي لدی المواطن الكوردستاني ومكّنه ليحسن الإفادة من الماضي والتاريخ و يُجدر إستقبال الآتي من الزمان ويؤمن بزرع القيم الديمقراطية أو ما تسمى بالقوة الناعمة.
ومن الجدير بالذکر أن حكومة إقليم كوردستان تعمل على تعزيز علاقاتها في مجالات عديدة مع الدول الصديقة و خاصة مع قوی التحالف الدولي بقیادة الولایات المتحدة الأمریکیة، التي ساندت الإقلیم في حربه ضد التنظيمات الإرهابية ومعارکه ضد الجهات التي أرادت النیل من سيادة الإقلیم و أمنه وإستقراره وحریته.
فعندما تستمر بوصلة السياسات الأمریكية بإتجاه توسع الصراعات مع إيران أو تصاعد الخلافات المتفاقمة مع ترکیا مثلاً، نری بروز أهمية إقلیم كوردستان کمنطقة تؤمن المصالح الأمريکية، بحيث تزداد إمکانية تشکيل عمق إستراتیجي لها، خاصة في حالة إستمرار إقفال أبواب بغداد و أنقرة و طهران و دمشق بوجه واشنطن.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول بأن الإقلیم يساهم بقدر إمکانیته المحدودة في خلق توازنات إيجابية و يتبنی في سياسته نحو الخارج، خاصة خلال مشارکتە في الحوار الإستراتیجي الجاري بين بغداد و واشنطن، نهج نزع فتیل التوتر في العراق والمنطقة.
إن بروز قوة عظمى في قدراتها وسلوكها الجيوسياسي تهيمن على النظام الدولي، يُظهر تحالفات وشراكات جديدة هدفها المحافظة على أمنها ومصالحها من يحفز إلى أو يخلل نظام متوازن مع تلك القوة التي تحاول السيطرة. وعلى هذا النحو فأن القوى الكبرى والعظمى تكون على قدر عالٍ من إدراك طبيعة التوازنات الدولية والإقليمية من جهة، وطبيعة المحاولات الرامية إلى السيطرة وتوسيع دائرة النفوذ على حساب محاولات التغيير الجيو- استراتيجية للقوى المسيطرة على التوازن على وجه الخصوص من جهة ثانية.
صحیح أن الولايات المتحدة الأمريكية کقوة عظمی في العالم لم تکن لها تاريخياً علاقة مع أي “منطقة” أو كيان داخلي تابع للدولة فيدرالية، إلا أن أحد خطوطها للإستراتيجية العامة في المنطقة هي إبعاد أو تحجيم دور كل من روسيا والصين وإیران من العراق والإقلیم و تعزيز سيادتهما و إزدهارهما بما يخدم المصالح الأمريکية، لذا يمکن أن نسمی علاقتها بإقلیم كوردستان بعلاقة فريدة من نوعها في العالم.
من جانبها تؤکد حکومة الإقلیم علی الإيمان بالإستراتيجية القائمة علی أساس التعايش المشترك بعيداً عن المبادیء المطلقة و الإرادات الفوقية المتعالية، التي تدفع البشرية في غير مكان ثمن مصائبها و كوراثه وتسعی مع مراعاتها لحساسية ديناميكيات الأمن العالمية والإقليمية، الی بناء علاقات إقتصادية وتجارية متبادلة ومثمرة مع أعضاء التحالف الدولي وعلی وجه الخصوص مع الولایات المتحدة الأمريكية و تدعیم أمن الطاقة بالنسبة لها و حلفائها وضمان إستمرار الطاقة الی الأسواق العالمية.
إن الأمن المجتمعي والسلام هو الرکيزة الأساسية لبناء الدول وضمان مستقبلها، لکن وللأسف خلال العقود الماضية کانت ظاهرة الصراعات الجيوسياسية علی المشهد في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في العراق هي الطاغية، حتی أصبح لتلك الصراعات تأثيرها السلبي علی واقع مستقبل الأمن المجتمعي والسلام في كل من العراق والإقلیم. ومن المعلوم أیضا أن الأمن المجتمعي والسلام فی دولة دون أخرى لایتحقق، لأن إضطراب الأمن والسلام فی دولة ما ینعکس سلباً على بقیة دول الإقلیم الجیوبولتیکي، تبعاً لمعادلة التأثیر والتأثر. وهناك معادلن تقول، کلما إرتفعت شدة الصراعات الجیوسیاسیة بین القوى الدولیة والاقلیمیة وتزاید التنافس الدولي على تحقیق المصالح الجیوبولتیکیة والجیوستراتیجیة في هذه المنطقة، کلما تصاعدت النزاعات الفئویة "العرقیة والعنصریة والطائفیة والجیوسیاسیة" بصور وأشکال متعددة في مجتمعات الدول الضعیفة فیها.
إقلیم كوردستان یملك غنیً في المعطیات کما یملك فائضاً في الموارد، ولکن مقابل هُزالٍ في الإنجازات الإستراتیجية، مرده النقص الفادح في الأفکار الحیّة والخصبة والخلاقة. ولهذا فإن أحوج ما یحتاج الیه هو أن یمارس حیوته الفکریة، بالتحرر من جملة من العقد والحساسیات الحزبیة والهوس النضالي والهذر الثقافي والآفات التي عرقلت مشاریع التقدم والرفاه و حضور العدالة الإجتماعية والمشارکة في صناعة القرارات المصیریة.
یجب الإستمرار في ترسیخ ممارسات الإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي، بتعاون کافة الجهات وتكامل جهود الجميع بعيداً عن الفردية الهدامة والشخصنة المؤلمة وسلوكيات الاتهامية والعدمية والتشكيك.
علینا أن نتغير لکي نسهم في تغيير سوانا، أو في تحویل واقعنا، بقدر ما ننجح في تغذیة العناوین المطروحة وتحویل المفاهیم السائدة في ضوء التحدیات والمستجدات.
وختاماً نقول: "إذا أراد إقلیم کوردستان التنمیة والإزدهار، لابد أن يُحفّز و يعدم العراق للتحرك بإتجاه نحو الفدرالية الحقيقية أو تطبيق التجربة الفنلندية بحذافيرها ويحول شراکته مع التحالف الدولي بقيادة الولایات المتحدة الأمریکية الی تحالف قوي و يتمسك بالإتجاه الکبير للتنمیة العالمیة و یتقدم معه و إلا سیترکە التاریخ."