شفق نيوز/ لا تنافس شعبية كرة القدم في العراق أي رياضة أخرى، ومع الحدث الأبرز عالميا المتمثل بكأس العالم 2018 في روسيا، يضع مشجعو اللعبة هدفا واحدا نصب أعينهم: المشاركة في الحدث بأقل تكلفة ممكنة.
من القنوات المقرصنة إلى ارتياد المقاهي، مرورا بشراء القمصان المزيفة للمنتخبات بأسعار زهيدة... كله متاح في بلد تنهكه البطالة والفقر.
كان حسن السيد يدرك جيدا أن المقهى الذي يديره في وسط العاصمة العراقية، سيشهد تظاهرة شبابية لمشاهدة مونديال روسيا، إذ أن غالبية العراقيين عاجزة عن دفع رسوم الاشتراك بالقنوات المشفرة.
بعد توسعة المقهى، نصب السيد (40 عاما) شاشة عرض كبيرة داخل المكان الذي يطل على حديقة، ويستوعب نحو مئة شخص.
يقول صاحب المقهى "تكلفة الاشتراكات بالقنوات المشفرة الناقلة للمباريات عالية، وقد اعتدنا على تجمعات الشباب إذ أنهم يأتون على مدار السنة لمتابعة مباريات الدوريات الأوروبية".
وتبلغ تكلفة الاشتراك السنوي بالقناة الناقلة للمونديال نحو 350 دولارا يضاف إليها مبلغ اضافي خلال كأس العالم، وهو مبلغ مرتفع في بلد يتراوح فيه الحد الأدنى للدخل بين 400 و700 دولار.
يضيف السيد "الأعداد اليوم أكبر بطبيعة الحال، ولهذا نحرص على أن نوفر لهم فرصة المشاهدة"، مؤكدا حرصه أيضا على اتباع الطرق الشرعية في النقل وحفظ الحقوق "على عكس آخرين"، في إشارة لبعض القنوات التي تعتمد القرصنة.
الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد يظهر جليا بين دخان النراجيل في المقهى، حيث يجلس شبان يرتدون أزياء أندية أوروبية رغم أن البطولة هي للمنتخبات.
في يوم مباراة المنتخب المصري ضد روسيا المضيفة، لم يخف العراقي محمد حسن حماسته للفراعنة ونجمهم لاعب ليفربول الإنكليزي محمد صلاح. ولولا هذا المقهى، لتعذر على حسن (22 عاما) أن يشاهد لاعبه المفضل نظرا لضيق الأحوال المعيشية.
يقول الشاب خريج كلية الإعلام والعاطل عن العمل حتى اليوم "نأتي إلى المقهى يوميا لمشاهدة المباريات. السبب الرئيس هو الجانب الاقتصادي، فأسعار بطاقات الاشتراك بباقة القناة الناقلة للمباريات مرتفعة".
لم يخف الشاب المعجب بمنتخبي الأرجنتين وإسبانيا أيضا خيبة أمله بعدم تأهل منتخب بلاده إلى مونديال روسيا. وللعراق مشاركة يتيمة في مونديال المكسيك 1986، بقيت ذكرى يتحسر العراقيون على عدم تكرارها.
- "نفضّل المتعة" -
لا يختلف الحال في بغداد عن المحافظات الأخرى. ففي مدينة الموصل الشمالية التي تحررت العام الماضي من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، يلجأ الشبان هناك أيضا إلى المقاهي لمشاهدة المباريات.
يقر أحمد الشماع صاحب أحد المحلات التي تبيع أجهزة الاستقبال الخاصة بمباريات كأس العالم "الناس خرجوا لتوهم من فترة حرب ووضعهم الاقتصادي معقد (...) فوجدوا ضالتهم في المقاهي".
ويؤكد أمير موفق (21 عاما) ان "هناك التكلفة أقل. لا ندفع إلا ثمن ما نشتريه من مشروبات، ونحصل على المتعة مجانا"، في مدينة كانت مشاهدة ومزاولة كرة القدم فيها قبل عام حراما، خلال حكم تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن ذلك لا يعني أن الجميع مجبرون على ارتياد المقاهي، بل منهم من يذهب طوعا، على غرار يوسف محمد الذي يفضل المقهى على المنزل رغم امتلاكه جهازا لنقل المباريات.
يقول محمد العشريني "في البيت أستطيع متابعة المباريات، لدينا جهاز. لكن أفضل الحضور إلى هنا لنعيش أجواء حماسية".
لكنه مع ذلك يشير إلى أن "بعض الدول قامت بشراء حقوق المباريات وبثها عبر قناة محلية لإسعاد الناس. لماذا لا يقوم العراق بذلك؟".
- من الصين... الى نيجيريا -
قبل زحمة المقاهي، للمشجعين وجهة أخرى أيضا، وهي المتاجر المتخصصة ببيع قمصان المنتخبات، والتي تشهد انتعاشا كبيرا خلال بطولات رياضية مماثلة.
وتتركز عمليات الشراء لبزات تحمل أسماء نجوم وليس منتخبات بالخصوص، كما يوضح سيد عيدان الموسوي (50 عاما) الذي يدير أشهر متاجر البزات الرياضية في العاصمة بغداد. لكن ضعف القدرة على شراء البزات الأصلية، يدفع بالتجار للتوجه نحو البديل: الصين.
يقول الموسوي "نعلم جيدا أن الشباب يقبلون على ارتداء قمصان المنتخبات ونعمل على تجهيزها من الصين قبل ستة أشهر من انطلاق المونديال".
ويضيف "هناك شركات عالمية متخصصة بصناعة قمصان المنتخبات، تقوم بإغراق الأسواق بملايين القمصان الأصلية، لكن أسعارها عالية تصل إلى تسعين دولارا. ما نطلبه من الصين نبيعه في السوق العراقية بما لا يتعدى 12 دولارا للقميص الواحد".
الأهم في العراق اليوم هو التشجيع، المشاركة في المتعة والحماسة بغض النظر عن المنتخب الذي يلعب.
خلال مباريات المجموعات، التقى المنتخب النيجيري بنظيره الايسلندي في الجولة الثانية من المجموعة الرابعة، وكان فوزه (2-صفر) مهما جدا لصالح المنتخب الأرجنتيني الذي تعادل في مباراته الأولى أمام سويسرا (1-1) وخسر الثانية أمام كرواتيا (3-صفر) في المجموعة نفسها.
يقول الموسوي "بعد فوز المنتخب النيجيري على أيسلندا، امتلأ المتجر في اليوم التالي بشبان يطلبون قميص نيجيريا".
Afp