شفق نيوز/ على مدخل مدينة تكريت وتحت لافتة عملاقة عليها صورة قائد عسكري شيعي يقف مئات من العرب السنة العراقيين ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة في انتظار تفتيشهم قبل السماح لهم بدخول المدينة التي كانت من قبل قاعدة القوة لصدام حسين.
ويقول السنة قرب تكريت، الذين تعاملهم قوات الأمن والفصائل المسلحة التي يهيمن عليها الشيعة معاملة المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية، إنهم يشعرون بخيبة أمل وبالتهميش قبل الانتخابات التي تجري في 12 مايو أيار لاختيار رئيس وزراء جديد.
في عهد صدام حسين كانت السلطة متركزة في أيدي الطائفة السنية التي تمثل أقلية في العراق لكن الحال انقلب في 2003 عندما قادت الولايات المتحدة اجتياح العراق وأطاحت بالدكتاتور ليبدأ عهد جديد الهيمنة فيه للشيعة وتنطلق دورة من إراقة الدماء والثأر.
وبعد ستة أشهر من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بلغ الحال بالعرب السنة أدناه في العراق.
فلا يزال حوالي 2.3 مليون نازح يعيشون بعيدا عن بيوتهم بينما يقبع آخرون في السجون أو دون عمل في مدن شبه مدمرة وكلهم موضع شبهات بأن لهم صلات بالمتشددين السنة.
قال شجاع محمد (35 عاما) الذي كان من خبراء القنابل بالجيش وهو من تكريت إنه توجه إلى بغداد عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة عام 2014 وعرض مساعدة السلطات في محاربة التنظيم.
وأضاف محمد الذي ينوي وضع علامة يشطب بها على ورقة التصويت بالكامل يوم السبت ”قالوا انتو دواعش قلنا عمي شنو؟ دقوا حاسبات وإسألوا علينا المناطق. إذا عندنا شيء أنتم عاقبونا. من هنا طفونا (ألغوا مرتباتنا)“.
ورغم الشعور بخيبة الأمل على نطاق واسع يقول كثيرون من السنة إنهم يريدون فعلا أن تكون أصواتهم مسموعة حتى إذا كان ذلك يعني إفساد أوراق التصويت أو تأييد مرشح لا يثقون به.
وتوحي مقابلات مع عشرات الناخبين والمرشحين والمسؤولين المحليين في ثلاث محافظات سنية بأن الطائفة تعتزم المشاركة بأعداد كبيرة في التصويت يوم السبت رغم أنه لا أحد تقريبا يعتقد أن الانتخابات ستسفر عن تحسين أوضاعهم.
وقالت الصيدلانية غفران (25 عاما) في الموصل التي امتنعت عن ذكر اسمها بالكامل خشية الانتقام منها ”نعم راح أصوت. بس ما عندي أمل إنو أي شيء راح يتغير“.
* تحدي التهديدات
غفران واحدة من آلاف العائدين منذ استعادة السيطرة على الموصل من أيدي التنظيم في يوليو تموز الماضي رغم صعوبات الحياة ”بين الأنقاض والسيطرات“ أي الحواجز الأمنية.
وحتى قبل سيطرة التنظيم على الموصل في العام 2014 كانت المدينة معقلا للمتشددين الإسلاميين الذين يهددون بقتل أي شخص يصوت في أول انتخابات جرت بعد سقوط صدام.
وتحدى فلاح محمد الترهيب وعمل في الانتخابات في 2010 لكنه ابتعد عن هذا المجال في 2014 بعد أن هدد التنظيم أسرته.
وفي هذه المرة قرر أن يتحدى التهديدات الأخيرة من جانب المتشددين الذين حذروا السنة وطالبوهم بعدم التصويت رغم فقدان السيطرة على المدينة.
وقال محمد (41 عاما) الذي سيدلي بصوته مثل كثيرين من جيرانه رغم ازدرائه للمرشحين ”وقت الخوف انتهى ... هذا واجبنا أن نصوت“.
وتردد صدى العزم على التصويت رغم الاعتقاد بأن شيئا لن يتغير في مختلف أنحاء الموصل عاصمة محافظة نينوى التي يخوض فيها الانتخابات أكثر من 900 مرشح ينتمون لأكثر من 30 قائمة انتخابية أملا في الفوز بواحد وثلاثين مقعدا برلمانيا فقط.
ويشكو السنة منذ فترة طويلة من تفشي التمييز على أيدي الحكومات وقوات الأمن بقيادة الشيعة منذ العام 2003 وذلك رغم أن البعض يسلم ببعض التحسن منذ تولى رئيس الوزراء حيدر العبادي السلطة قبل أربع سنوات.
وعلى النقيض من سلفه نوري المالكي الذي كانت مواقفه طائفية بلا مواربة فإن العبادي يحظى ببعض الدعم بين السنة الذين ينسبون له الفضل في تحريرهم من تنظيم الدولة الإسلامية وربما يؤيدون إعادة انتخابه.
قالت فطومة بدران (40 عاما) في مخيم حمام العليل للاجئين جنوبي المدينة ”لا نثق أبدا بها السياسيين ولكن راح أصوت للعبادي ... لأنه حرر الموصل“.
وقائمة العبادي التي تحمل اسم قائمة النصر هي الوحيدة التي تخوض الانتخابات في محافظات العراق الثماني عشرة. وينفذ العبادي حملة الدعاية الانتخابية في جميع أنحاء العراق، وقوبلت زيارته للمناطق السنية استقبالا حسنا.
ويقول آخرون في الموصل مثل علي فارس (31 عاما) إن من المستحيل أن يصوتوا للقادة الذين يحملونهم مسؤولية قصف مدينة بلا هوادة خلال المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية.
ويضيف فارس في مقهى مؤقت في قلب المدينة القديمة مشيرا إلى الإنفاق على الحملة الانتخابية ”كلهم دمروا المدينة ... بدال ما يصرفوا 35 مليون على هالصور خلي يجون يعمرون بيوت“.
* أصوات النازحين
أمضى كثيرون من النازحين بسبب الحرب شهورا أو سنوات في المخيمات لكن بعضهم يعيشون في مستوطنات غير رسمية لأن بيوتهم لم تعد صالحة للسكنى أو لأن مناطقهم ليست آمنة حتى الآن.
وفي مرآب متفحم متعدد الطوابق يمتليء بالسيارات التي دمرت في تفجيرات في تكريت أقام المئات مخيمهم غير الرسمي لا تفصل فيه بين الأسر سوى ملاءات معلقة.
وهنا ليس لدى الجميع الرغبة في التصويت. قال رحمن محسن (47 عاما) الذي كان يعمل سائق سيارة أجرة إنه عاد إلى بيته من بيجي بعد طرد التنظيم لكنه وجد أن بيته قد احترق.
لذلك جاء إلى تكريت وانتهى به الحال في المرآب، ويجيش صدره بالغضب لأن الساسة لم يبذلوا جهدا لمساعدته.
وقال ”ما حد جانا بهذا الكراج. أي مسؤول ما حد جانا. حتى جرب صار بيهم حتى قمل صار بيهم“ مشيرا إلى أولاده.
وأضاف ”أكو (هناك) ناس صحيح خيرة تيجي تعطي العوائل. ولا مسؤول جه أعطى دعم. قبل انتخابات ولا هاي الانتخابات ما حد جانا“. وأضاف أنه يحمد الله أنه يعيش تحت سقف.
وفي مجمع عامرية الفلوجة غربي العاصمة بغداد كان الشيء الوحيد المنتشر أكثر من الخيام هو لافتات الدعاية الانتخابية وصور المرشحين التي تستخدم هياكلها أغلب الأسر في المخيم لنشر غسيلها.
ويعتزم جمال خلف التصويت لمرشح يقول إنه ساعد سكان المخيمات بإمدادات ضرورية. لكنه مثل كثيرين ممن التقت بهم رويترز في المخيم لا يملك بطاقة انتخابية ويعتقد أن ذلك سيحول بينه وبين المشاركة.
وقال خلف ”ما عندي بطاقة انتخابية ... يحاسبون عليها الدواعش. ما نقدر نبقيها ببيوتنا وبجيوبنا. إش مرة نتلفها ونعبر. خايفين على حياتنا“.
وأضاف أن الحصول على بطاقة جديدة سيكلفه 20 ألف دينار (16 دولارا) لاستئجار سيارة والذهاب لاستخراج بطاقة جديدة وهو مبلغ لا يملكه هو أو آلاف غيره في المخيمات.
ويسمح لسكان المخيمات بالتصويت من خلال نظام يسمى التصويت المشروط الذي يتيح للناخب إبراز وثائق تؤكد هويته فقط وإقامته في المخيم غير أن كثيرين لا يعلمون شيئا عن هذا النظام.
وقال ناخبون في مخيمات وتجمعات ريفية في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى التي يغلب السنة على سكانها إن عدة فصائل شيعية هددت بتوجيه اتهامات بالإرهاب للشباب ما لم يتحقق الفوز لمرشحين بعينهم.
ومن المشاكل الأخرى التي واجهها السنة أنهم، على النقيض من أكراد العراق والعرب الشيعة، يفتقرون لقيادة وطنية قوية أو تنظيم حزبي على مستوى الجمهورية وهو ما يعني أن القاعدة الانتخابية لساسة السنة تتركز على المستوى الإقليمي أو القبلي.
وفي بعض المناطق مثل تكريت يشتد الإحساس بهذا الفراغ.
ويقول نجيب سعيد (64 عاما) التاجر الذي يزاول عمله في الشارع ”احنا 15 سنة (في) هالمدينة تكريت ماكو (لا يوجد) نواب مجلس أو مجلس محافظة من الاحتلال لليوم. يقولوا كان صدام من تكريت. ده السبب. يقولوا ببغداد ’إنتم حاكمين العراق 35 سنة. كفاية عليكم‘“.
ولم يشارك السنة في الغالب في العملية السياسية منذ العام 2003. واعتبر البعض أن هذه العملية وليدة احتلال غير مشروع في حين تم منع كثير من القيادات الصاعدة من المشاركة لانتمائها لحزب البعث.
ويشعر كثيرون بأن الساسة السنة المشاركين في العملية السياسية منذ سقوط صدام متعاونون مع النظام يسعون لتحقيق مكسب شخصي.
وقال مهدي أحمد (72 عاما) الذي فر إلى مخيم في عامرية الفلوجة بسبب القتال ”لحد الآن أني قاعد بخيمة وأسمع أن السياسي نفسه هو اللي موجود وبسببه أني قاعد بخيمة. هذا هل أني أنتخبه؟ أحفر لي قبر وأردم نفسي“ ولا انتخبه.