شفق نيوز/ توتر سياسي مصري سعودي تبعه سعي متبادل من القاهرة وبغداد لتوثيق العلاقات والمصالح المشتركة.. خطوة قرأتها وسائل إعلام عربية على أنها سعي من النظام المصري لتبديل تحالفاته الاستراتيجية الخارجية.
لكن خبراء سياسيين ومراقبين عربا، لم يروا في الخطوة المصرية سوى "مناورة تكتيكية" وأسلوبا غير مباشر للضغط على الرياض من أجل إعادتها إلى مسار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وشككوا في جدوى اعتماد القاهرة على بغداد كحليف، بينما تعيش الأخيرة منذ سنوات على وقع أزمات عدة، أهمها عدم الاستقرار الأمني والسياسي. بحسب ما اوردته الاناضول.
وأكد هؤلاء الخبراء والمراقبون أن القاهرة لا تستطيع الاستغناء عن علاقاتها الاستراتيجية مع الرياض، معتبرين أن إيران، المنافس الإقليمي للسعودية، تقف وراء محاولة إفساد العلاقات بين أكبر بلدين عربيين.
وفي 9 أكتوبر/تشرين أول الماضي، نشبت أزمة بين مصر والسعودية؛ إثر تصويت القاهرة في مجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي متعلق بمدينة حلب السورية، وهو المشروع الذي كانت تعارضه الرياض بشدة.
وبعد ذلك بأيام، أعلنت السلطات المصرية أن شركة "أرامكو" الحكومية السعودية أوقفت إمداداتها النفطية لمصر؛ بعد أن كان البلدان توصلا خلال زيارة أجراها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عدبالعزيز، إلى القاهرة، في أبريل/نيسان الماضي؛ لاتفاق نص على قيام المملكة بزويد مصر بـ700 ألف برميل من النفط شهريا، ولمدة 5 سنوات، بشروط ميسرة في الدفع.
وعقب ذلك، بدأت تحركات رسمية على الساحتين المصرية والعراقية؛ في مؤشر على مزيد من التقارب بين بلدين طالما شهدت العلاقات بينهما فتورًا طيلة 10 سنوات أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق في مارس/آذار 2003.
إذ نفّذ وزير البترول المصري، طارق الملا، زيارة إلى بغداد، الشهر الماضي، عاد منها باتفاق لاستيراد نفط البصرة (جنوب)، من أجل سد حاجة بلاده من المشتقات النفطية خلال الفترة المقبلة بعد توقف شركة "أرامكو" عن إمداد القاهرة بالنفط.
كما وصل وزير الكهرباء العراقي، قاسم محمد الفهداوى، إلى القاهرة، الجمعة الماضي، في زيارة لمصر من أجل بحث أوجه التعاون المشترك في مجال الكهرباء والطاقة.
وسبقت زيارة وزير البترول المصري للعراق، مطالبات لعدد من نواب "التحالف الوطني" (الشيعي)، أكبر الكتل بالبرلمان العراقي، حكومة بلادهم بمنح مصر النفط الخام بالآجل رداً على ما قالوا إنه "ابتزاز" تمارسه الرياض ضد القاهرة.
وفي 17 أكتوبر/تشرين أول الماضي، دعا وزير البترول العراقي، جبار اللعيبي، الشركات المصرية للمشاركة في عقود استثمار النفط، وقال خلال أحد الاجتماعات مع السفير المصري في بغداد، حسن أحمد درويش، إنه من الضروري تقوية العلاقات المصرية العراقية، خصوصًا في مجال النفط.
وفي نفس اليوم، تحدث رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، مع الرئيس المصري عبر الهاتف؛ لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين ولتوحيد الجهود لمحاربة الإرهاب. ورغم انشغال العبادي بمعركة الموصل (بدأت 17 أكتوبر/تشرين أول)، فإن ذلك لم يمنعه من التواصل مع السيسي.
جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن (غير حكومي)، اعتبر أن الترحيب العراقي بتعزيز العلاقات مع مصر بالتزامن مع توتر علاقات الأخيرة مع السعودية، تقف وراءه إيران.
"الحمد" أوضح "السياسة العراقية لها وجهان؛ أمريكي وآخر إيراني والأخير هو من يدير المشهد حاليًا ومعروف أنه يفكر بانتهازية".
وأضاف "بعد حالة التباين والارتباك بين مصر والرياض وما تبعها من وقف النفط السعودي استغلت إيران الأمر بدفع حليفها القوي، العراق - الذي ليس على وفاق مع السعودية -، نحو التعاون الاقتصادي مع القاهرة بهدف إبعاد الأخيرة عن الرياض.
ورأى الخبير السياسي أن المحاولة الإيرانية لإفساد العلاقات السعودية المصرية "محاولة فاشلة"؛ فـ"العراق ليس مؤهلا للعب أي دور سياسي لأنه لا يزال يعاني جراحًا أمنية وسياسية كثيرة أضعفته حاليًا".
والعراق يكافح منذ أكثر من عامين لهزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي سيطر على أنحاء واسعة من البلاد في صيف العام 2014، كما يعاني أزمة اقتصادية حادة جراء تكلفة المعارك ضد التنظيم، بالتزامن مع فقدان أسعار النفط، المصدر الرئيسي للدخل في هذا البلد العربي، أكثر من 60% من قيمتها منذ يونيو/حزيران 2014.
أيضاً تعاني الحكومة العراقية أزمة سياسية جراء الخلافات المتفاقمة بين القوى السياسية في البلاد على المناصب الوزراية، وتصاعد الغضب الشعبي مع تدهور وضع الخدمات المقدمة، والمطالبات بالقضاء على الفساد، الذي يقول البعض إنه صار "متفشيا" في أروقة الجهاز الحكومي.
"الحمد" أكد أن الأوضاع التي يعاني منها العراق تؤكد أن تقارب القاهرة وبغداد "لا يزيد عن كونه مناكفة وضغطا تكتيكيا من القاهرة على الرياض بعد اهتزازات مؤقتة للعلاقة بين البلدين".
وقال إن "بقاء مصر وتماسكها كدولة، مصلحة استراتيجية للعرب بشكل عام وللسعودية بشكل خاص".
قبل أن يستدرك: "إلا أن الضعف والتردد المصريين في دعم مواقف السعودية في عدة مواقف ضد إيران في سوريا وعاصفة الحزم باليمن، بل والتباين معها نسبيا في مجلس الأمن هو ما سبب إشكالات وبعض الغضب".
وأشار إلى أن "دور مصر وثقلها الحقيقي متراجع في الوقت الراهن، بل نستطيع أن نقول إنه ليس موجودًا؛ بسبب الأزمة الاقتصادية، والانقسام المجتمعي الداخلي والمشاكل الأمنية، واستنزاف الجيش في عمليات إرهابية، وما لم يتم ترتيب الوضع الداخلي لن تستطيع مصر استعادة هذا الدور".
واختتم مدير مركز دراسات الشرق الأوسط رؤيته مؤكدا أن "خيار القاهرة الاستراتيجي في بناء علاقات حقيقية بالمنطقة ودور محوري قوي، هو الاقتراب من سياسات ومواقف السعودية، ولا يمكن لمصر أن تغامر بتوجيه بوصلتها نحو إيران؛ فهذه مغامرة غير مضمونة النتائج".
بدوره، قال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية بالسعودية (غير حكومي)، اللواء متقاعد أنور عشقي، إن العلاقات المصرية العراقية شهدت ازدهارًا في عهد السيسي والعبادي بعد قطيعة مع حكومة المالكي؛ حيث أدت سياسات العراق في عهد الأخير، المتمثلة بالتدخل في الشؤون الداخلية للجيران، بتدهور علاقات بغداد مع جيرانها.
وأضاف عشقي، أنه بعد توقف شركة أرامكو السعودية عن تزويد القاهرة بالنفط (في شهر أكتوبر/تشرين الأول)، "كان من الطبيعي أن تتجه مصر إلى العراق خاصة أن الأخير هو من بادر بالترحاب".
واستبعد أن تفرط مصر في علاقاتها مع دول الخليج عبر إيجاد صلة من قريب أو من بعيد مع إيران، وقال: "مصر ذهبت للعراق كبلد عربي تربطها به علاقات جيدة".
وأضاف: "هناك إغراءات من إيران لمصر، لكن مصر لن تستجيب؛ فالشعب المصري يرفض التشيع جملة وتفصيلاً".
وأشار عشقي إلى أن هناك اختلافًا في وجهات النظر بين القاهرة والرياض إزاء الأزمة السورية والتدخل الروسي إلى جانب نظام بشار الأسد؛ حيث ترفض المملكة أي استمرار لرئيس النظام السوري في مستقبل سوريا، بينما لم يعلن النظام الحالي في مصر مساندته للموقف السعودي في هذا الصدد.
واعتبر أنه "ليس من الضروري أن تتطابق وجهات النظر بين القاهرة والرياض؛ فمن الطبيعي أن تكون هناك اختلافات بين مواقف الدول انطلاقا من رؤيتها لمصالحها، لكن هذه الاختلافات لا يمكن أن تؤدي إلى القطيعة".
واتهم إعلام البلدين بتأجيج التوتر الحالي.
وحول الزيارات والاتصالات المكوكية لعدد من مسؤولي دول الخليج بين القاهرة والرياض، رأى عشقي أنها "تحمل دلالات ومعاني كثيرة؛ على رأسها محاولة رأب الصدع بين البلدين".
وخلال الأسبوع الجاري، زار الأمين العام لجامعة الدولة العربية، أحمد أبوالغيط، الرياض، بينما زار ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، القاهرة، وأجرى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، اتصالا هاتفيا بأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وخرجت من هذه اللقاءات والاتصالات دعوات بضرورة لم الشمل العربي وحل الخلافات البينية.
الأكاديمي المصري محمد حسين، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة (غرب العاصمة/أقدم جامعات البلاد)، رأى أيضا التوتر المصري السعودي الأخير مؤقت، وأن مصر والسعودية لا يمكن لأي منهما التخلي عن علاقاتهما الاستراتيجية.
وقال حسين، للأناضول، إن "ما يحدث حاليا بين مصر والسعودية سحابة صيف، ولا يمكن أن يؤثر على العلاقات بين البلدين؛ فالرياض والإمارات وغيرها من دول الخليج من أكثر داعمي النظام المصري ماديًا ومعنويًا".
وراى أن "اتجاه القاهرة نحو العراق (حالياً) هي خطوة اقتصادية؛ بعد قيام شركة أرامكو السعودية بوقف إمداداتها النفطية لمصر، وليس مناورة سياسية ضد الرياض حتى وإن كان هدف العراق غير المعلن هو النكاية" في السعودية.
وأضاف: "مصر ذهبت لنفط الكويت أيضًا وليس بغداد فقط".
وتابع: "من حق القاهرة أن تبحث عن مصالحها أينما كانت، ولا مانع من أي علاقات مع إيران حال وجود مكاسب ومنافع اقتصادية".
واعتبر أن الدبلوماسية المصرية في عهد النظام الحالي تتسم بالتوجه نحو التنوع والتعدد في علاقاتها الخارجية وعدم الاقتصار على محور بعينه أو الخضوع له.
وأوضح قائلا: "بدا ذلك جليًا بالاتجاه نحو روسيا والتعاون العسكري معها دون الابتعاد عن أمريكا وكذلك تقوية العلاقات التجارية مع الصين".