شفق نيوز/ ينهمك أدهم عليكي بإزالة أوراق يابسة وري زهور تزين ضريح ابنه في مقبرة على مدخل مدينة كوباني في شمال سوريا، مكان أمسى مصدر راحته الوحيد بعدما أنهى لغم زرعه الجهاديون حياة فلذة كبده قبل سنوات.
عند الوصول الى مدخل مدينة كوباني في ريف حلب الشمالي، سرعان ما يلفت الأنظار نصب تذكاري هرمي الشكل، يرتفع قربه علمان لوحدات حماية الشعب الكردية بينما تنتشر حوله عشرات القبور، حيث دفن مقاتلون ومدنيون سقطوا خلال المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية خلال السنوات الماضية.
في العام 2015، فقد أدهم (54 عاماً) ابنه، ولم يكن قد تجاوز 12 عاماً بعد، اثر انتهاء أولى أبرز المعارك التي خاضتها وحدات حماية الشعب الكوردية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والتي ذاع صيت مدينة كوباني على اثرها.
ومنذ ذلك الحين، يتردد أدهم يومياً الى المقبرة. ويقول لوكالة فرانس برس "أتي إلى هنا يومياً وأهتم بحديقة المقبرة.. باتت أكثر من بيتي، أشعر بالراحة قرب قبر إبني".
وشارك الوالد المفجوع الى جانب الوحدات الكردية في معركة كوباني التي استمرت طيلة أربعة أشهر وانتهت بطرد التنظيم منها في كانون الثاني/يناير 2015. ويقول إن آثار شظايا أصيب بها لا تزال واضحة على جسده.
على الشواهد الرخامية المتراصة والمترامية داخل المقبرة، تتكرر كلمة "شهيد" محفورة الى جانب أسماء المقاتلين الكورد مع ألقابهم بالإضافة الى مكان وتاريخ الولادة والمعركة التي قتلوا فيها. وتتنوع بين كوباني ومنبج والرقة وسواها من المدن حيث تصدت الوحدات الكوردية للتنظيم.
وعُلّقت على بعض الأضرحة صور القتلى أو حتى رُسمت وجوههم، ورفعت فوق بعضها الآخر أعلام الوحدات.
- "تعبنا من الحرب"-
يجول أدهم بناظريه بين عشرات القبور المزينة بالورود. ويقول بغصة "هنا دفنت كثيرين من أصدقائي المقاتلين".
ويضيف بنبرة حاسمة "تعبنا من الحرب ويجب أن يعم السلام ويتم القضاء على داعش بشكل نهائي لنشعر أننا حاربنا لأجل الأمان والاستقرار وحصلنا عليهما".
قبل نحو ست سنوات، تأسست هذه المقبرة الا أن حجمها ازداد بشكل لافت منذ بدأ المقاتلون الكورد التصدي للتنظيم الجهادي على جبهات عدة في شمال وشمال شرق سوريا.
وأثبت الكورد على مر السنوات الماضية فعالية في قتال التنظيم وتمكنوا مع فصائل اخرى وبدعم أميركي من طرده من مناطق عدة لا سيما تلك ذات الغالبية الكوردية. ويخوضون حالياً آخر معارك ضد التنظيم في جيب صغير في اقصى محافظة دير الزور (شرق) قرب الحدود العراقية.
ويقول عارف بالي المسؤول عن مؤسسة محلية تتولى رعاية عائلات المقاتلين لوكالة فرانس برس "بلغ عدد الشهداء في المقبرة 1230 شهيداً" قتلوا في معارك "كوباني ومنبج والرقة وسد تشرين" ومناطق أخرى.
وينهمك عمال في إنشاء قبة كبيرة ستكون بمثابة نصب جديد تعلق عليه صور القتلى، وفوقه ترتفع نجمة حمراء كبيرة مشابهة لتلك التي تزين علم الوحدات الكوردية.
ومع سقوط كل مقاتل في المعارك، تُنظم جنازة عسكرية في المقبرة حيث يتجمع زملاؤه بثيابهم العسكرية وأقرباؤه ويرددون معاً هتاف "الشهيد لا يموت".
وما عدا ذلك، تبدو المقبرة هادئة الا من عائلات تفتقد أحباءها. يتجول رجال ونساء مع أطفال بين القبور، يقصد كل منهم وجهته. يمسح البعض الغبار عن الشواهد، ويقرأ آخرون الفاتحة.
- "ألمنا كبير" -
في احدى نواحي المقبرة، تلهو ليلى التي لم تتجاوز العام ونصف العام قرب جدها وعمتها اللذين أحضراها لزيارة قبر والدها الذي قتل العام الماضي جراء انفجار لغم خلال معركة مدينة الرقة، أبرز معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا سابقاً.
يمسح جدها محي الدين حمي (60 عاماً) دموعه ويقول "فقدت ليلى والدها بعد عشرين يوماً من عيد ميلادها، حضر عيدها الأول واستشهد".
وبعدما يجهش بالبكاء، يشرح الوالد، بينما يقاتل اثنين من ابنائه حالياً في صفوف الوحدات الكوردية، "ألمنا برحيل أولادنا كبير جداً، قدمنا أرواحهم في سبيل هذا الوطن لتحريره".
ويضيف "سنلاحق داعش حتى لا يبقى واحد منهم في أرض الكورد.. سنلاحقهم حتى نهايتهم".
لكن ما يعزيه أن هذه الدماء "لم تذهب سدى، كلها لأجل الأمان والاستقرار في هذا البلد" متابعاً "نريد النصر لكل الشعب الكوردي، وأن يحصل الجميع على حقوقهم".
في مكان قريب، يتجمع حمد ايبش (56 عاماً) مع عائلته حول قبر شقيقه الذي قتل في معركة كوباني. ويتذكر كيف قاتلا معاً لطرد التنظيم موضحاً "كنا نتولى حماية الخط الجنوبي للجبهة جنباً الى جنب. دائماً ما كنا نتعرض لهجمات ونسمع أصواتهم يقولون: +يا كفار نحن قادمون إليكم+".
وخلال هجوم استمر ثلاثة أيام على نقطتهم، قتل شقيق حمد مع 12 من رفاقه.
الى جانب شقيقه، خسر حمد أولاد عمه، شاب وصبية، حملا السلاح في معركة كوباني أيضاً. ويقول "قدمنا الكثير من الشهداء، كل عائلة قدمت شهيدين أم ثلاثة".
ويضيف "رأسنا مرفوع بشهدائنا. أنا سعيد بانتهاء داعش. سيرتاح الناس في روجافا بعيداً عن أي ظلم أو بطش".