شفق نيوز/ عاد حسام الزبيدي الى المنزل ويعتريه الحزن والاحباط بعد فشله مجددا في إيجاد شريكة حياته، وهو يردد متسائلا "إن تركت مهنتي، من يدفن الموتى ومن يغسلهم؟".
رفض ذوو الفتاة وقبلهم أناس آخرون قبول مصاهرة الزبيدي بسبب مهنته وهي حفار القبور أو الدفان كما هو متعارف عليه في العراق، حيث لا تلقى المهنة قبولا لدى المجتمع.
وحسام الزبيدي الذي يبلع من العمر 31 عاما يعمل في مقبرة الشريف في أطراف بعقوبة بمحافظة ديالى كمهنة توارثه أبا عن جد وتعد مصدر رزقه الوحيد.
ويروي الزبيدي في حديثه لشفق نيوز، كيف كانت مهنته سببا في تلقي الرفض مرة تلو الأخرى من قبل ذوي فتيات تقدم لخطبتهن، حيث تعتبر الفتيات وذويهن مهنته مخيفة ومنبوذة ومدعاة للخوف والتشاؤوم.
ويقول، إن "الكثير من الفتيات يعتبرن مهنة الدفان فالا سيئا وتؤثر في نفسية الشخص وتجعله ذو اطباع غريبة يصعب الانسجام الاسري معها".
ووفق ما يؤكده الزبيدي فأن الكثير من الدفانين أصيبوا بأمراض وعقد نفسية لتعذر ايجاد الزوجة التي تتكيف مع طبيعة حياتهم.
وإذا كان الزبيدي توارث المهنة أبا عن جد فإن ظروف البلاد وتفشي البطالة وقلة فرص العمل دفعت الكثير من الشبان الى العمل قي مهنة "الدفن" لتامين قوتهم المعيشي رغم صعوبة ومرارة المهنة في اوساط المجتمع.
ويأتي الاقبال على المهنة في ظل أوضاع أمنية متردية ساهمت في ازدهارها نتيجة أعمال العنف شبه اليومية التي تودي بحياة الناس في العراق.
منير العزاوي "28 عاما" واحد من هؤلاء ويعمل في مقبرة الشريف ايضا. ويقول إن "معدلات البطالة القت بظلالها على مهنة حفر القبور وشهدت تزايد الاقبال عليها من قبل الشبان الذين لا يملكون دخلال معيشيا رغم صعوبة المهنة".
ويشير العزاوي لشفق نيوز، إلى أن "الكثير من الشبان يتوافدون على الدفانين ممن يطلق عليهم "مقاولي الدفن" طلبا للعمل كحفاري قبور، ويعرضون اجورا ورواتب تنافسية سعيا للحصول على العمل".
وعلى الرغم من ان الموت سمة توحد البشر الا انها التمييز يبقى قائما بين الميت الغني والميت الفقير من حيث طبيعة القبور وتكاليفها المادية.
ويبين ماهر كريم "56 عاما" وهو صاحب محل لبيع القبور الجاهزة ان اسعار القبور تتراوح من 100 الى 500 الف دينار حيث يشيد قبر الغني بـ500 الف والفقير يتراوح 100-125 الف دينار.
ويضيف كريم في حديثه لشفق نيوز، ان غالبية الفقراء يفضلون قبور المرمر والسيراميك بينما يضطر الفقير الى تشييد القبر البسيط بحسب الامكانات المادية المتواضعة.
ويعتبر عدنان الجعيفري"47" عاما احد اشهر دفاني مدينة النجف، قال إن رفض الفتيات قبول الزواج من الدفان او حفار القبور بانها ناجمة عن قلة الوعي الديني باعتبار الدفن مهن شرعية مباركة والدفان شخص يؤدي دورا انسانيا كبيرا اسوة بالشرائح الاجتماعية الاخرى.
ويؤكد الجعيفري في حديثه لشفق نيوز، انه لم يواجه اي رفض او عراقيل خلال زواجه، لافتا الى ان الفتاة التي تقدم اليها قبلت الزواج منه بعد دقائق من عقد جلسة طلبها من ذويها.
ويشير الجعيفري الى تواصله الاجتماعي عبر صفحات التواصل مع شخصيات اكاديمية وعلمية لتبادل وجهات النظر والمعلومات حيال قضايا الدفن والاموات.
ويستعرض الجعيفري مسيرة عمله في المقابر ودفن الاموات بالقول، "اعمل في المقابر وعمري خمس سنوات مع والدي، وعايشت الكثير من حوادث الحروب والظروف المختلفة".
وتابع يقول، "الاحداث الارهابية بعد 2003 واساليب التمثيل بالجثث التي مارستها عصابات الارهاب جعلتني اشعر بالخوف وضعف الجرأة لمشاهدة الاموات".
ويضيف، "ضحايا العمليات الارهابية والاشلاء المقطعة وبشاعة مناظر الموتى اثرت على نفسيتي كثيرا وهي مشاهد مؤلمة لاسابق لها على مدار مسيرة عملي في مهنتي".
ويكشف الجعيفري عن التمييز بين حفار القبور والدفان، اذ اصبح الدفان عبارة عن مقاول ينجز القبور واعمالها ولا علاقة له بعملية الحفر بعد استقدام اغلب الفصائل القتالية لحفارين ومختصين بحفر القبور لدفن شهداء المعارك والاعمال الارهابية.
من محمود الجبوري - ديالى