شفق نيوز/ كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، عن وثائق تمت قرصنتها تظهر أن قطر دفعت مئات الملايين من الدولارات فدية أفراد العائلة المالكة الذين اختطفتهم جماعات عراقية مسلحة في 2015.
وذكرت الصحيفة في تفاصيل الرسائل أن “أحد كبار الدبلوماسيين القطريين قال في إحدى الرسائل المسربة، إن بلاده دخلت محادثات سرية لتحرير 25 من مواطنيها من الخاطفين العراقيين، لكن المفاوضات تحولت إلى نوع من الابتزاز، فقد تحركت نحو ست من الميليشيات والحكومات الأجنبية للضغط بغية الحصول على المزيد من السيولة من قطر.
وقال سفير دولة قطر في العراق وكبير المفاوضين في قضية الرهائن الشيخ زايد بن سعيد الخيارين في رسالته المسربة إن “السوريين، حزب الله، لبنان، كتائب حزب الله العراق، جميعهم يريدون المال، هذه هي فرصتهم… كلهم لصوص”.
ولكن الوثائق السرية كشفت أنه على الرغم من ذلك، كان القطريون على استعداد للدفع، ودفعوا لهم بالفعل.
وتكشف السجلات السرية للمرة الأولى أن “خطة الدفع خصصت مبلغا إضافيا قيمته 150 مليون دولار نقدا للأفراد والجماعات الذين يعملون كوسطاء في الصفقة على الرغم من أنهم يقومون بدور تخريبي وينشرون الفوضى في المنطقة، وينظر المسؤولون الأميركيون إليهم منذ فترة طويلة على أنهم رعاة للإرهاب الدولي، وتشمل هذه السجلات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وكتائب حزب الله العراقية، وهي مجموعة شبه عسكرية عراقية مرتبطة بهجمات مميتة عديدة ضد القوات الأميركية إبان حرب العراق”.
وبينت الوثائق أن “هذه الفدية كانت جزءا من صفقة أكبر تشمل الحكومات الإيرانية والعراقية والتركية، فضلا عن ميليشيا حزب الله اللبنانية ومجموعتين معارضتين سوريتين على الأقل، بما في ذلك جبهة النصرة، وهي فصيل مرتبط بالقاعدة”.
وأضافت الوثائق أن “المبلغ الإجمالي المطلوب لعودة الرهائن ارتفع في بعض الأحيان ليبلغ 1 مليار دولار، على الرغم من أنه ليس من الواضح من الوثائق كم من الأموال بالتحديد دفعت في نهاية المطاف”.
من جانبها نفت قطر أنها دفعت للمنظمات الإرهابية كجزء من الصفقة، وفي رسالة في الشهر الماضي شجبت قطر تقريرا منشورا للواقعة في صحيفة نيويورك تايمز، حيث أكد سفير قطر لدى الولايات المتحدة بشكل قاطع أن “قطر لم تدفع فدية”.
وكتب السفير الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني أن “فكرة قيام قطر بأنشطة لدعم الإرهاب فكرة خاطئة”، لكن لا تنكر الرسالة أن قطر دفعت المال لإنهاء الأزمة، وتشير إلى أن المتلقين كانوا مسؤولين حكوميين، مستشهدة بمبادرة قطرية غامضة مع العراق “لتعزيز العلاقات الثنائية وضمان الإفراج الآمن عن المختطفين”.
لكن المحادثات والرسائل النصية التي حصلت عليها واشنطن بوست ترسم صورة أكثر تعقيدا، حيث يظهر كبار الدبلوماسيين القطريين الذين يبدو أنهم يوقعون على سلسلة من الدفعات الجانبية تتراوح ما بين 5 و50 مليون دولار للمسؤولين الإيرانيين والعراقيين وزعماء القوات شبه العسكرية، مع تخصيص 25 مليون دولار لمدير حزب الكتائب العراقي، و50 مليون دولار مخصصة لـ”قاسم”، في إشارة واضحة إلى قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني ومشارك رئيسي في صفقة الرهائن.
وتشير الصحيفة إلى أن “التبادلات النصية جزء من مجموعة من الاتصالات الخاصة حول محنة الرهائن التي تم تسجيلها خلسة من قبل حكومة أجنبية وتم تزويدها للجهات التي تم تسريبها لها، وتتضمن الاتصالات التي تم اعتراضها أيضا محادثات الهاتف المحمول ورسائل البريد الصوتي باللغة العربية التي تم جمعها من رسائل البريد لأغراض التوثيق، شريطة عدم الكشف عن اسم الحكومة الأجنبية التي قدمت هذه المواد”.
ورفض المسؤولون القطريون التعليق على قضايا محددة أثيرت في التبادلات النصية، لكن أحد كبار المسؤولين على دراية بالرسائل قال إن “المبالغ المذكورة في النصوص تشير إلى المقترحات التي طرحها المفاوضون ولكنها تم رفضها في النهاية”، وأكد المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن “بعض النصوص قد تم تحريرها أو إعادة صياغتها لإعطاء انطباع مضلل”، لكنه لم يقدم تفاصيل محددة، ولم يطعن أيضا في تقارير تفيد بأن مئات الملايين من الدولارات من أموال قطر قد تم نقلها إلى بغداد في أبريل 2017، قبل أيام فقط من إطلاق سراح الرهائن، وصادر المسؤولون العراقيون النقود التي لم تتم إعادتها.
وللإشارة فقد دفعت حكومات أخرى، بما فيها بعض الحكومات الغربية، فدية إلى منظمات إرهابية معروفة للفوز بالإفراج عن مواطنين مختطفين، على سبيل المثال دفعت فرنسا وإسبانيا أموالا للخاطفين، إما مباشرة وإما من خلال شركات مملوكة للدولة، لتحرير المواطنين الفرنسيين والإسبانيين الذين اعتقلتهم داعش أو تنظيم القاعدة في حوادث منفصلة بين عامي 2010 و2014.
وعن مطالبة الكونغرس الأميركي بالوضوح في علاقات البيت الأبيض بقطر، قالت الصحيفة إن “مساومة قطر مع المسلحين حول قضية الرهائن ستصبح نقطة اشتعال في نزاع أكبر بين العراق وجيرانه العرب الذين انتقد بعضهم مرارا وتكرارا الدوحة بسبب علاقاتها الوطيدة مع إيران وتورطها في دعم الإرهاب، الأمر الذي قاد كل من الإمارات والسعودية ومصر والبحرين واليمن إلى مقاطعتها يونيو الماضي احتجاجا على عدم التزامها بحماية الأمن القومي لدول الخليج والعالم العربي على حد سواء. وهو الأمر الذي دفع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى دعم المقاطعة العربية للدوحة؛ بل وانتقد قطر باعتبارها ممولا للإرهاب على مستوى عال جدا، لكن ترامب أبدى موقفا متناقضا حين أثنى على أمير قطر، عندما زار واشنطن مؤخرا.
هذه الفدية كانت جزءا من صفقة أكبر تشمل الحكومات الإيرانية والعراقية والتركية، فضلا عن ميليشيا حزب الله اللبنانية
تفاصيل عملية الخطف
تكشف الوثائق المسربة تفاصيل رحلة الصيد التي تم اختطاف أفرادها في العراق، حيث دخل “في ديسمبر 2015 جزء كبير من القطريين إلى محافظة المثنى جنوب العراق للاستمتاع بوقت من التسلية كان يفضله العرب الأثرياء منذ العصور القديمة، وهو باستخدام الصقور المدربة لصيد طائر في الصحراء، وفي مساء 15 ديسمبر 2015 دخل المقاتلون المدججون بالسلاح إلى معسكر الأجانب في الشاحنات المتنقلة، واحتجزوا ثمانية وعشرين من أعضاء حزب الصيد؛ 25 قطريا واثنين من السعوديين والباكستانيين، في دراما مشحونة ومربكة سياسيا استمرت لمدة 17 شهرا”.
من كان بالضبط وراء عملية الاختطاف لم يكن واضحا في البداية، لكن المسؤولين القطريين سرعان ما باتوا يشكون في أن العراقيين سربوا معلومات للخاطفين، حيث أعطى الصيادون القطريون إحداثيات محددة لمعسكرهم في وزارة الداخلية العراقية كجزء من طلب تصريحهم، وقام موظفو الحكومة العراقية بزيارة مفاجئة إلى المخيم قبل ساعات من القبض على الرجال، وفقا لما ذكره مسؤول رفيع المستوى في حديث بشرط عدم الكشف عن هويته.
وتضيف الصحيفة “على أي حال، سارع المسؤولون القطريون إلى طلب المساعدة من الحكومة العراقية والقادة الشيعة العراقيين في بدء الاتصال مع الخاطفين، ثم علمت الدوحة أن الرهائن محتجزون لدى كتائب الإمام علي، وهي جماعة شيعية عراقية مغمورة تابعة لجماعة حزب الله، تتلقى كلتا المنظمتين التمويل والأسلحة من إيران، وصنفتهما الولايات المتحدة رسميا مجموعتين إرهابيتين أجنبيتين”.
علاقة الصفقة بإخلاء مدن سورية
وردا على عمليات الاختطاف، أنشأت قطر فريقا للأزمة ضمنه (سفير قطر في العراق) ووزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، بالإضافة إلى حمد بن خليفة العطية، وهو مستشار شخصي للأمير تميم بن حمد آل ثاني،، وبمجرد أن أصبح واضحا أن الخاطفين كانوا جماعة ميليشيا مدعومة من إيران، بدأ المسؤولون العمل من خلال مجموعة من الوسطاء المؤثرين للحصول على حرية الرهائن.
من الصفقة المعقدة التي توضحت في نهاية المطاف، تم توثيق العناصر الرئيسية بالمنشورات الأخرى، فقد وصفت صحيفة فاينانشيال تايمز في العام الماضي كيف أن الإفراج عن الرهائن القطريين ارتبط بخطة تدعمها تركيا وحزب الله اللبناني لإخلاء أربع قرى سورية؛ اثنتين سنيتين وأخريين شيعيتين، كانت تحت الحصار لعدة أشهر على يد مسلحين مختلفين، وفي الشهر الماضي، كشف مقال نشر في مجلة نيويورك تايمز عن الاستيلاء على مبلغ 360 مليون دولار من أموال نقدية قطرية يبدو أنها كانت تهدف جزئيا إلى دعم المقاتلين السوريين وتنفيذ عمليات الإجلاء من قبل مسؤولين عراقيين في مطار بغداد الدولي كخطة إطلاق سراح الرهائن.
في البداية، بدا أن الدبلوماسيين القطريين يكافحون من أجل فهم ما أراده الخاطفون، وبعد صمت محير في الأسابيع الأولى من حادثة الخطف، تحدث مسؤولو حزب الله إلى الخيارين لمناقشة إمكانية إطلاق سراح اثنين من الأسرى، في الوقت الذي أصدروا فيه مطالب مربكة.
الإفراج عن الرهائن القطريين ارتبط بخطة تدعمها تركيا وحزب الله اللبناني لإخلاء أربع قرى سورية؛ اثنتين سنيتين وأخريين شيعيتين، كانت تحت الحصار لعدة أشهر على يد مسلحين مختلفين
وقال سفير قطر في بغداد، ردا على المحادثات الهاتفية مع مفاوض حزب الله، لوزير الخارجية القطري إن “المسلحين طلبوا منه إحضار الأموال مقابل الرهينتين، لكن في وقت لاحق، طلب الخاطفون من خلال وسيط عراقي تقديم تنازلات أخرى بدا أنها تهدف إلى إفادة إيران وهي: انسحاب قطر الكامل من التحالف الذي تقوده السعودية لمقاتلة خطر الحوثيين الشيعة في اليمن، ووعد بإطلاق سراح الجنود الإيرانيين الذين تحتجزهم الجماعات السنية المسلحة السورية المدعومة من قطر.
لكن بعد فترة وجيزة، تحول المال إلى الركائز الأساسية في التبادلات النصية والمحادثات الهاتفية لهذه الصفقة، حيث ناقش المسؤولون القطريون في البداية دفع 150 مليون دولار إلى حزب الله إذا تم إطلاق سراح جميع الرهائن، مع رسوم إضافية قدرها 10 ملايين دولار إلى وسيط عراقي للمجموعة التي تم تحديدها باسم أبومحمد السعدي، كانت هذه أول مناقشات عديدة حول الدفعات الجانبية المحتملة لمسؤولي الميليشيات والوسطاء، الذين طالب بعضهم بالمزيد من الأموال من القطريين.
مع استمرار الخلافات خلال ربيع 2016، توسع فريق المفاوضين ليشمل سليماني وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين، وفي شهر مايو أخبر المفاوض القطري رئيسه بأن المفاوضين توصلوا إلى مبلغ 275 مليون دولار، ومن المقرر أن تتم الصفقة في محافظة السليمانية بالعراق.
في عدة نقاط، اقترح مبلغ 1 مليار دولار باعتباره ثمن صفقة شاملة تشمل الإيرانيين وخطة الإخلاء في أربع قرى، وكان سليماني يتحرك لتطبيق هذه الخطة. ويبدو أن المسؤولين الإيرانيين ينظرون إلى الرهائن القطريين على أنهم ورقة ضغط قوية، حيث أن الميليشيات المدعومة من قبل القطريين تحاصر قريتين شيعيتين وكان تعاونهم ضروريا لإنجاح الخطة.
وفي مايو 2016، بدا أن قطر تراجعت عن الخطة الإيرانية، حيث أرسلت كلمة عبر وسيط مفادها أن مصير القرى السورية كان شأنا للأمم المتحدة، والمسؤولين القطريين “لا يتعاونون أو يفتحون قناة” مع الجماعات الإرهابية. وتعكس الرسائل في عدة نقاط القلق القطري بشأن سلامة الرهائن، والطلبات المتزايدة للفدية والضغوط السياسية المفروضة على الدوحة لاستخدام ثروتها لإنهاء هذه المحنة.
واستغرقت المفاوضات فترة غير مثمرة لأشهر حتى أواخر عام 2016، وبحلول أبريل 2017، بعد اجتماعات إضافية مع الإيرانيين، تم وضع الخطوط العريضة لصفقة شاملة، ووصلت الحافلات إلى القرى السورية الأربع لتبدأ عمليات الإخلاء، ويتم أخذ الرهائن القطريين إلى بغداد وإطلاق سراحهم، وكان كبار المسؤولين القطريين حاضرين للمساعدة في الإشراف على كلا الحدثين، حسبما تظهر الوثائق.
واشنطن بوست تثبت أن اتهامات دول الخليج لها لم تكن جزافا، وأن المراسلات المنشورة على مستوى الصحافة العالمية تعزز إثبات جريمة دعم الدوحة للإرهاب
وأكدت الصحيفة أن “المبلغ الذي تبرع به القطريون في نهاية المطاف لإغلاق الصفقة لم يتم توضيحه في الوثائق، لكن القطريين كانوا واضحين في الاتصالات بشأن المبالغ المخصصة للأفراد الذين ساعدوا في تسليم الرهائن”.
وأكد المفاوض القطري في رسالة ببريده الصوتي أن “جميع المدفوعات قد تمت، لقد انتهى الأمر وتم توزيعه”.
دول الخليج لم تتهم قطر جزافا
يقول مركز المزماة للدراسات والبحوث إنه بعد مرور أشهر على مواجهة دول الخليج للدوحة بحقيقة دعمها للإرهاب، ظلت تمارس اللعب على وتر النفي المتكرر لوقائع تمويلها للتطرف والإرهاب. وعندما تمت مواجهتها بالحقائق كانت تتهرب وتستغل وسائل الإعلام للتزوير والهروب إلى الأمام. كما قامت بحملة علاقات عامة واسعة في الولايات المتحدة وأوروبا بهدف تحسين صورتها، وأنفقت أموالا طائلة لتمويل حملة لتضليل الرأي العام العربي والعالمي عن حقيقة تورطها هذا.
ومن بين ما يمكن استنتاجه حسب ما ذكره المركز في تقرير نشره الأحد، أن تسريبات واشنطن بوست تثبت أن اتهامات دول الخليج لها لم تكن جزافا، وأن المراسلات الخطيرة المنشورة على مستوى الصحافة العالمية تعزز إثبات جريمة دعم الدوحة للإرهاب، وتفضحها على لسان دبلوماسيين من داخل منظومة الحكم في قطر.
وستكون لهذا التطور الخطير تداعياته داخليا وخارجيا، بعد أن ظهرت مؤشرات جديدة تثبت بما لا يدع مجالا للشك تورط قطر فعليا في دعم الإرهاب ماليا، بمبالغ طائلة، وصلت إلى مليار دولار. خاصة أن الأدلة وإثباتات جديدة ظهرت من خارج المنطقة العربية، ومن شأنها أن تثبت زيف النظام القطري.
ويخلص المركز إلى أن كل “الاتهامات ضد قطر كانت ثابتة ولم تتم مكاشفتها دون أدلة وبراهين. وما يتوفر من معلومات نشرت أخيرا في مصادر غربية، يعزز تورط الدوحة ويثبت كذب إعلامها الذي يقفز على الحقائق ويحاول امتصاص الصدمات التي تواجهها. لكن التسريبات الأخيرة تمثل صدمة كبرى لمن كانوا يعتقدون أن الدوحة بريئة، ويبدو أنها لن تستيقظ من هذه الصدمة بسهولة.ش