سندس ميرزا/ الحالة النفسية الشائعة والتي يطلق عليها تسمية "مرض ادمان العمل"، تجعل صاحبها لايشعر وهو يمارس عمله بما يدور حوله ولايشعر بالتعب ولا اليأس من المعوقات لانه يعيش اجواء عمله بكل تفاصيلها واحيانا تبعده عن قضاياه المصيرية مما يجري حوله، والفيليون هم اناس يزخر تاريخهم بمن يكتسبون هذه الصفة، لذا ليس من الصعب ان يرفعوا راية الفخر في القضايا التاريخية وميادين العمل في العراق.
لدينا كثير من المخلصين الذين يبذلون الجهود من الكبار والصغار ممن يشكلون العائلة الفيلية. وكثير من الاحيان هم من عوائل كانت تعيش بسعادة حالهم حال باقي العراقيين، اما موضوع العمل والادمان فيه وما يقابله ممن يتصفون باللامبالاة وعدم الاهتمام بالهوية واللغة واللهجة والتاريخ فهو امر يستوجب التأمل والبحث في يومنا هذا.
نتكلم عن اولئك الذين يملكون آمالاً كبيرة ولم يستكينوا ولم يهدأوا وفي السراء والضراء لم يصبحوا ندماء لليأس، كانوا فيليون ولازالوا وسيبقون كذلك، حيث يتباهى ويفخر بهم تاريخنا العريق. ولافرق في ذلك بين النساء والرجال او بين الشيوخ والشباب، وهكذا تربت لدينا اجيال تملك هكذا فضيلة من الاستقامة والطموح والتضحية والادمان على مساعدة الاخرين ونكران الذات، لذا من الضروري ان نبحث عن هكذا جيل او نخلق جيل لديه تلك الارادة يختلطون بالمجتمع بأسم الفيليين وهويتهم. ويفخرون بما قدمه اجدادهم من الفيليين من تضحيات وانجازات على جميع الاصعدة.
هناك تأملات وحقائق واحصائيات وارقام لاتبشر بالخير حول مستقبل هكذا تفاؤلات وايجابيات، فلا يتعارض موضوع التجنس ولا منازعات الملكية ولا موضوع الانتماء والولاء مع ان نبقى فيليون لا في المهجر ولا في الوطن. لكننا قادرون ان نشعل النيران في عيون الحاقدين ونسكت الاصوات النشاز، فدائماً هناك قِبلة للأمل وفرصة للنهوض واثبات مانؤمن به ونقوله. وفيما يلي بعض تلك النقاط:
1- نحن باقون على التحدي وعلى طلاق الندم ونسينا شيئاً يدعى "عدم القدرة".
2- الانسان الفيلي في الغربة والمهجر وبقاع التسفير في كل مكان ومع خلو يده من كل شيء، اثبت انه موجود بدون التعكز على مظلومية غير فاعلة وبدون الاستناد الى مسؤولية بلا انجاز.
3- الفيليون اناس لم يشهدوا لغاية الان تعويض خسائرهم المادية والبشرية، ولكنهم يصومون في محافل الاساءة للآخرين على الرغم من أرشفة ملفهم وركنه على جنب.
4- الانسان الفيلي هو من الشرائح التي من الناحية الجسدية تعيش في بعقة ارض تسمى "عراقاً"، ولكن من الناحية الروحية فهو مشرد لايشعر بأستقرار في ظل اقتتال اخوته في القومية والدين والوطن.
5- يقولون حتى في تعداد ضحايا هذه الشريحة ليس هناك احصائيات موحدة ومتفق عليها ولكن لايقولون انهم اناس يعيشون في دوامة الانتظار وجالسين على بابه، ومع هذا فقلوبهم محترقة على كل من احترق قلبه في هذا البلد وهم أسخياء في ذكر مشاكل الاخرين بدون ان يتذكر الآخر مشاكلهم او يجتهد في حلها.
ليس جزافا ولسنا مبالغين لو قلنا ان الفيليين هم اول واحق ممن يقولون نحن مظلومون، ففي وقت توزيع الغنائم وفي وقت اعادة الحقوق وتقرير مصير الشرائح نبقى نحن مظلومون ومغيبون وليس هناك اي بارقة امل تتحدث عن حسم ملف الفيليين حتى اصبح آخر ملف ممكن النظر فيه.
قائمة الشهداء المغيبين طويلة والمرحلين قسراً لازالوا في غربتهم في وقت ان دوائر منازعات الملكية وحقوق الانسان ومؤسسة الشهداء ومؤسسة السجناء السياسيين ودوائر الجنسية في حكومة كل العراقيين اخذوا ما يشكل اضعاف اضعاف حقوق ذويهم ويمكنهم القول والتباهي انهم لم ولن يحسموا ملف الفيليين فهو بالنسبة لهم باب مستمر للاسترزاق بشكل او بأخر، ولو انهم امام الاعلام والمؤتمرات والندوات والاستذكارات يمكنهم ان يسعوا الى تبييض وجوه حكوماتهم المتعاقبة من خلال تقديم احصائيات وهمية وفضائية حول ما يدعون انهم قدموه لهذه الشريحة، لكنهم غير قادرين ان يعبروا عن انسان محترق بكل هذا الالم بانصاف، وكما يقال:
احساسك بي وانا احترق لا يكون بالنظر بل بالاحتراق ذاته كي تشعر بما اُحِس واُعاني.