علي حسين فيلي/ ليست المصطلحات تحلل بشكل سيء دائما، حتى الفاشيون والنازيون كانوا يفتخرون بالألقاب التي ينادون بها والتي كانت الشعوب الاخرى تلعنهم عليها. وبالنسبة لنا ايضا فان مصطلح (مكون) ليست بخارج عن الحقيقة التي وفق معناه لا يشكل مشكلة الا ان طريقة استخدامه السياسي له أكثر من تفسير.
فالفيليون وسط شعبهم كورد ومكون فيه ومن الطبيعي ان يتم نداؤهم بالفيليين فقط من دون ان تلصق بهم عبارة الكورد. غير انهم يكونون وسط الشعوب الاخرى كالأخوة العرب عندما يقال لهم (مكون) الكورد الفيليين فذلك يعني انهم قومية مستقلة. وهنا كلمة (مكون) المجردة من الكورد لها مغزى وهدف اخر.
كتذكير، فانه في السنوات المئة الماضية وبهدف بناء مجتمع مدني، تم بذل مساع وجهود دائبة من اجل تخطي مشكلة المناطقية والاسماء والالقاب القومية بشكل من الاشكال، وللأسف في هذا البلد فانه على خلفية الاسم واللقب القومي - الطائفي تم قتل الاف الاشخاص والفيلي هو ذلك اللقب الذي رافقه الاف الضحايا ومئات الاف المهجرين.
على الرغم من ان لقب الفيلي ليس له اي معنى سيء عند الكورد الفيليين انفسهم ولم يكتب عنه اي شيء سيء في الثقافة والوثائق التاريخية. ولكن منذ تأسيس الدولة العراقية تم تفسيرها بشكل سيء؛ وبعد ظهور مصطلح التبعية العثمانية التي شملت سنة العراق والتبعية الايرانية التي شملت قسما من الشيعة، كان الكورد الفيليون القسم المعاقب دوما ضمن القومية الكوردية والمذهب الشيعي.
وواضح انه بعد انهيار العثمانيين وظهور الروح القومية العربية والكوردية اتسعت تلك الظاهرة واخذت بالانتشار كالنار في الهشيم، وسابقا لم تكن في كوردية الفيليين اي شك او شرط ولكن بعد النصف الاول من القرن المنصرم تم تسييس مسألة كوردية الفيليين خصوصا، بحكم مشاركتهم في الحركة القومية! على الرغم من ان مشاركتهم في الوقت ذاته بالحركات المدنية والسياسية الاخرى وخصوصا الحزب الشيوعي وباقي التيارات التقدمية العراقية بصورة عامة.
ومثلما لم تخلُ الحركة التحررية الكوردية من الكورد الفيليين، فليس هناك اية حركة سياسية مذهبية شيعية من اقدمها الى اخرها في الميدان السياسي المعاصر ليس فيها من الكورد الفيليين الذين يشاركونهم بالمذهب . فلهم ظهور دائم على الغطاء المذهبي وعلى الجانب التاريخي هناك حقيقة على انهم لم يكونوا من الرحل لكي يأتوا الى العراق من مناطق اخرى.
فاذا تم تعريفنا في الوقت المعاصر على اننا اقلية، فإننا كنا وبنسبة كبيرة اغلبية سكان شرق دجلة الاصليين الذين لم تمنع كورديتهم من العيش فيها. والمؤرخون كانوا يؤشرون وجودنا لعشرات وحتى لمئات السنين كأكبر كتلة سكانية في هذه المساحة الجغرافية الى جانب العرب واناس اخرين وكانوا يتعايشون سلميا ومستقرين ومسالمين مع الاخرين من دون الانقطاع عن قوميتهم.
ومن المنظور السياسي ظهرت المشكلة عندما لبست الروح القومية العربية لبوس الشوفينية، وقامت بتحريك ماكنة طحن ومسح الاخرين وقامت بالقضاء على النسيج التاريخي والتعايشي في هذه البلاد وانهت الحياة السلمية التي كانت تفتخر بان الفيليين هم ابناء قدماء واصلاء لهذه التربة وليس اجانب عنها!
وبوضوح لم تظهر لحد الان جهة مسؤولة تتمتع بشجاعة القول ان الانسان انسان اقلية كان ام اغلبية. وقبل ان تكون المشكلة قومية ام مذهبية فهي مشكلة انسانية ولكن من اجل ايجاد العذر لمعاقبة الفيليين بأشكال مختلفة تم حرمانهم من حق المواطنة، وبعد ابادتهم الجماعية ومن اجل مسح اسماء الذين قدموا للموت ولكن لم يكن للموت لهم نصيب، لم يظل للعدو سبيل اخر سوى الهجوم على هويتهم. فهل بقول "مكون" لوحدها مجردة في هذا التوقيت وفي هذه المرحلة ستقوم ماركة ودعاية عدد من الاشخاص والجهات بمعالجة مشكلة الكورد الفيليين؟ علما ان ايا من وثائق جرائم البعث لم تتطرق الى ان معاقبتهم كانت لكونهم مكونا مجردا. وليست هناك اية مقبرة بلا عنوان للضحايا الذين لا مزار لهم كانت باسم مكون من دون ذكر للقومية.
في القسم الثاني سنغوص في الموضوع اكثر ونسمي بعض الامور بمسمياتها لنضعها امام العيان.