علي حسين فيلي/ مرّ ذلك الاحساس ان يكون الألم ملازماً لمسيرة حياة الانسان لو اننا ندرك ان يطول الزمن لأصحاب الحزن، ويقصر لأصحاب الفرحة والسرور، وان يتأخر على أولئك الذين ينتظرون ويقولون ان الأله احد وحيد، ونحن نقول لهم اننا لسنا بآلهة لنسكن الى الوحدة، ولكنّه عندما تبتسم الفزاعة داخل الحقل والغربان يبدأون بالنعيق، ونحن لا نجد الا الصمت في مزرعة الحياة في موطن متصحر.
لا انسى عندما تمّ طردنا في التسفيرات الكبرى، وجفون احبائنا ابتلت حزناً لنا، واكثر العراقيين قالوا إنها القسمة ومشيئة الخالق، وجيراننا تأسفوا علينا، وبين هذا وذاك النظام المباد برر ذلك بأن هذه الفعلة هي ضمن اطار القوانين التي ابتدعها، واللصوص تمنوا انه لو سفرّنا قبل حين، ولكن كلما عبرنا الحدود ومع بدء فصل آخر المتمثل بكسر الخواطر وقد محونا الجميع من الذاكرة.
في الوقت الذي كان الزمان قد ضحك لنا لنكون في سعة من امرنا وفصل شتائنا كان حجة لنا لكي نستبدل الملابس الفاخرة، الا انه اليوم وفي طرق الهجرة اصبح فقراؤنا يرتعبون من ذلك الفصل، ولا يستسيغون المناظر الخلابة الذي كساها الثلج بلونه الابيض، وكلّما نفتح اعيينا بيوم جديد نرى ان امسنا كغدنا بلا فرق.
واليوم الاروبيون وبالتقسيط المريح يصبحون ارباب واولياء اجيالنا لأن من يذهب منا لا يفكر بالعودة بعدها، وهذه الضريبة التي ندفعها لهم لاستقبالهم لنا، ومناطق الكفاح وباب الشيخ وشارع فلسيطين وحي جميلة والعطيفية وحي الاكراد..الخ، كم مرة كانت شاهد عصر على هجرتنا المتكررة في هذا البلد الذي اضاف في قاموس من تركوه طوعاً وكرهاً (المشي، والسباحة، والبلم، واليخت)، والهجرة اصبحت اليوم الشغل الشاغل للكثيرين منا لتمس معالم الحياة التي كنا نعيش ظروفها، وهذه الهجرة المليونية التي تحدث في الشرق الاوسط هي امتداد للهجرة القسرية والطوعية المعلنة وغير المعلنة، والنتيجة استمرار ظلم واستبداد الحكام، على النهج نفسه.
اردت ان استعيد قصة احد معمرينا المرحوم الكاتب والشاعر (محمد دارا الفيلي)، وفي اوج تبني الاطراف المتنازعة لقضيتنا بعد السقوط، ومع صدور حزمة من القوانين والقرارات التي كانت من المفترض ان تصب بصالحنا، عبّر المرحوم آنذاك عن عدم تفاؤله بها، وقال (إنني احد ضحايا قصة عشق في محلة باب الشيخ)، وقد صادفت في يوم باحد ازقتها بائعاً متجولاً كان يروج لشراء الاغراض المستعملة، وعندما وصلت له ابلغته (ايها البائع هل تشتري قلب عاشق جريح)، واجابني بابتسامة مستهزئ (لو كان لقلبك قيمة ما كان له ان يجرح)، واذا كانت الحكومات المتعاقبة في العراق تمتلك ذرة من الشعور بمعاناة شريحتنا، لما كانت ان تظلمها لتعود مرة اخرى لاصدار قرارات ترفع بها ذلك الظلم عنهم.
منذ سنين والامس والغد يخدعنا، فالاول بالذكريات والثاني بالوعود، وحصتنا هي بجوار رمز حلبجة الشهيدة (عمر خاور) ، ونحن ايضاً مثله الا اننا في بغداد اذ لدينا (علي خاور) وهو شهيد بلا رمز وعنوان، وبجانب صورة الطفل الغريق التي هزّت ضمير العالم (آلان الكوردي)، هناك طفلان آخران فيليان، وهما (حيدر وزينب)، و خريفنا مليء بهذه الحقائق وهنا نود ان نشير ان الحكومتين في بغداد واربيل واستا عائلة (آلان) وهذا حق طبيعي لها، غير أنهما نسيا او تناسيا أنه في اي زمان ومكان تتساقط الضحايا فبينهم الكورد الفيليون.