حسن حاتم المذكور
1 ـــ رحل الفيلي الباسل والعراقي الوطني وترك لهفة اللقاء ثكلى بين برلين والسليمانية, لم التقيه, راسلته فقط, كلماته القليلة تسكبني في معاناة الفيليين وتسكبه في وجع الجنوب, كتب "رفيقي العزيز حسن" تلفت القلب في زمن الأضداد والجفاء يبحث عن ذاك الذي لا زال رفيقاً يتنفس برئة الوطن, متمرد في اهوار الوعي العراقي عصي على صحراء الردة في طريق الحج للتوبة ورجم شيطان الماركسية ـ اللينية على اعتاب الأيمان في مكة المكرمة, تجاوزت قناعتي حدود اليقين متسائلاً, هل ان ام عادل مراد كانت اختاً لأم الشهيد عبد الكريم قاسم فحصل هذا التشابه الفذ, أحتضنته بضمير الوفاء الجنوبي وصرخت بيّ وبه, (لا لن ترحل يا عادل, "والگنطره بعيده" وانت الوعد بعبورها).
2 ــ عادل الأنسان السياسي, والمثقف الوطني, أمن ان بغداد هي الطريقة والطريق لوصول المكونات العراقية الى اهدافها الوطنية والقومية والمجتمعية فجمع في قلبه حق الجميع في التحرر والأنعتاق, كان تاريخاً نضالياً يسير واثقاً على اقدام المكونات المتآخية دون استثناء, فأصبح باسقاً كنخلة الجنوب شامخاً كجبل الشمال, لم تجد مواقفه سكينة بين صفوف الدلالين المتجولين بين مزادات الأرتزاق, مرخصي الوطن ومروجي بضائع الفساد والأرهاب والفتنة الطائفية.
3 ـــ رحل عادل مراد وترك حلمه في عراق ديمقراطي حداثي تشترك فيه وتزدهر جميع المكونات التاريخية, تركه ينبض حيوية وارادة في اوردة الطيبين, تماماً كما ترك عبد الكريم قاسم مشروعه الوطني, فكلا الرجلين عاشا وضحا للوطن والناس والحقيقة العراقية, لا جديد يا صديقي في العراق الجديد, فالفتح المبين والنصر العظيم على شبح (طنطل) داعش اصبح فوزاً عظيماً له في الأنتخابات الأخيرة, فأنتحرت ضمائرنا غسلاً لعارها.
4 ــ اسأل نفسي احيانا, هناك شعور يجمعني مع الفيليين, فأنا مسكوناً وساكن فيهم, في احدى رسائله كتب عادل وكمن يقول لي , اسأل الوالدة, ربما سكبت ام فيلية حليبها في شرايينك يوماً, سألت, وعلمت ان هذا قد حصل فعلاً, عادل كان يقرأني مثلما يقرأ كل الأصدقاء ويتحسس نبض الوطنية في مواقفنا, اوعدته بزيارة في اواسط التاسع 2018, لم يجبني, والموت كقذيفة غبية طائشة سيئة التوقيت اصابت مقتلاً منه, فأحتضنته الذاكرة العراقية بعيداً عن مكبات العدم.
5 ــ رحل عادل ولم تسمح له ذاكرة المحبين بالرحيل, فأصبح الغائب والحاضر, والذاكرة متاعنا الأخير, نعترض ان يفرغها الغياب من نكهة عادل, سنرسم ملامح وجهه على جدران اضلاعنا حتى يخسر الموت في مكيدته.
6 ـــ عادل: غداً سأجمع ما تبقى من وقود العافية, وابحر في سفينة عمري لاهثة حتى السليمانية, لألتقيك في وجوه الناس ودموع الشوارع الباكية, وتأخذني الطرق الى ضريحك, لتنزفك عبرتي وتترك ملح دموعها مخضباً ببيت شعر بلهجة المعدان وتراتيل سومرية لـ "سلمان المنكوب" لا تطلب اكثر يا صديقي, فابناء الجنوب لا يملكون اكثر من عبرة جفت سواقيها وتركت ملح دموعها على خدود "ولد الخايبه".
7 ــ عادل وفي هذا الزمن العدو الملوث بنمل الخيانات, كان لمواقفك الوطنية حضور لامع جعلتك واحداً من بين القلائل الذين علقوا على صدر تاريخهم الوطني اوسمة "ابناء العراق", وانت الفيلي, حفيد احفاد حضارات القصب والطين الحري, لا تستوحش النهاية ولا تقلق, السومريات سيقتسمن معك رغيف خبز اطفالهن الحافي وستغتسل روحك الطاهرة بأمواج دموع الألم.
رضوان الله عليك واسكن روحك فسيح جنانه.
اعزي عائلتك واهلك ومحبيك وانا من بينهم وارجو ان تغمر الجميع فضائل الصبر والسلوان.