علي حسين فيلي/ صحيح أن الحدود السياسية من صنيع الإنسان وهي تتغير بحسب الأوضاع، ومن المحتمل أن تقسم الشعوب على طرفي الحدود، ولكن ليس ثمنها دائما إبادة امة جماعيا مثل الذي جرى على الشعب الكوردي!! وخصوصا في مناطق شرق دجلة الذين أصبحوا الضحايا الأبديين لاتفاقية ابرمت بين العثمانيين وايران، وضحايا لاول دستور عراقي صدر عام 1925 باشراف ادموندز الحاكم الاستعماري البريطاني وتضمن في عدد من فقراته، التي نتج عنها منذ قرن كامل، الكوارث بسبب الجنسية وشهادة الجنسية العثمانية والتبعية عملا بسياسة "فرق تسد"، والتي تجمد آمال الإنسان الكوردي الذي يسمى فيليا في جنسيته ويدفع ضريبتها لأقصى درجات الإجرام ألا وهي الإبادة الجماعية "الجينوسايد".
إن سكان مناطق شرق دجلة وجنوب كوردستان الكبرى والذين ينتمون لعدد من القبائل والعشائر الكوردية المعروفة والأصيلة التي كانت تحكم مناطقها وذات سلطة مستقلة وصاحبة إمارات وأصبحت ذات مكانة في تاريخ شعبنا، والذين يملكون لهجتهم الخاصة وكانوا من منظور الفكر والعقيدة من أكثر المكونات انفتاحا في امتنا وكانت مواقفهم القومية دوما مبعث الفخر!! وهم معروفون منذ سنوات طويلة في الأدبيات السياسية العراقية بالكورد الفيليين وحصلوا بفضل كفاحهم على مكانة سياسية واقتصادية واجتماعية رفيعة، ولكن الحكومات المتعاقبة صادرت جميع حقوقهم غدرا! ومن الواضح انه مع كونهم أول ضحايا الإبادة الجماعية لشعبنا الكوردي في الوقت نفسه نستطيع الزعم بأنهم وحسب المعطيات التي تظهرها الإحصاءات هم ضحية اكبر حملة نهب رسمية في العراق قبل حرب الكويت! فإذا تركنا كل شيء جانبا وتحدثنا فقط عن الأملاك فان الوثائق الرسمية وفقط في مجال العقارات تخبرنا بان هناك 123 ألف قضية نزاعات ملكية والتي تعترف الجهات المختصة بان للكورد الفيليين حصة الاسد فيها!!
ومن اجل التذكير فقط يستحسن معرفة ان الاشخاص الخمسة الذين تم ترشيحهم لتولي عرش العراق من قبل الانجليز كان والي بشتكو الفيلي واحدا منهم والذي كان حاكما لآخر امارة كوردية قضى عليها شاه ايران رضا بهلوي.
من اجل توضيح حجم الكارثة هناك بعض المعلومات والاحصاءات التي قد تكشف الكثير من الاشياء:
1- ان الذي حصل للكورد الفيليين يتعدى كونه انتقاما سياسيا ومذهبيا ودينيا وحتى قوميا، فقد تعدى المعايير المعروفة للاجرام واصبح جنونا رسميا في الاجرام! كقتل الروح والجسد ببرود، والتغييب الابدي والابعاد بلا عودة وزرع الخوف الابدي وحالة اللاثقة الشاملة، ومن اجل ان تتوضح الصورة امامكم ومعرفتكم بالمستوى الذي بلغه اليأس في نفوسهم، في قضية الابادة الجماعية للكورد الفيليين التي يقدر عدد الجناة بالالاف والمجنى عليهم والمغيبين بمئات الالاف، تم رفع اقل من 400 شكوى الى المحكمة الجنائية العليا وعدد المحكومين لم يتعدَ عدد اصابع اليد!!
2- وفق وثائق المحكمة الجنائية العليا فان الفيليين هم المكون الكوردي الوحيد الذي صدر بحقهم منذ تاريخ الدولة العراقية 85 قرارا وقانونا بشكل مباشر او غير مباشر وفي المحافظات الوسطى والجنوبية العشر اي من بغداد لغاية البصرة وحتى المحافظات العراقية الأخرى في نيسان عام 1980 فرضت عليهم عقوبة الاعتقال الجماعي والإبادة النهائية!!
3- في ذلك الملف هذا القتل الجماعي تم تعريفه كجريمة صدرت من جهة عليا ونفذتها الجهات الادنى فشاركت فيها جميع الاجهزة الامنية والقانونية والادارية التابعة للسلطة المباشرة (مجلس قيادة الثورة) التابعة للبعث ولم يشفع للضحايا لا العمر ولا الجنس، اولئك الضحايا الذين لم تكن لهم اية مشاركة في اية مؤامرة او خيانة او حرب او صراعات بين مؤسسات واجنحة السلطة ولم تعاقبهم اية محاكمة! كانوا شركاء فقط في شيء واحد وهو كونهم جميعا من الكورد، فاذا حفرت في ذاكرتنا الاسمين المخيفين ابو غريب ونقرة السلمان فانه لم يتبق في العراق سجن الا وامتلأ بهم مثل سجون الفضيلية والحاكمية والشعبة الخامسة وعشرات السجون الاخرى.
4- معظم سكان الاقضية والنواحي العراقية التي حصلت فيها كارثة ابادة الكورد الفيليين كان الشيعة فيها اغلبية وبقوا اغلبية فيها! فلو كان السبب مذهبيا فلم تم استثناء شركاء المذهب في تلك المناطق من هذه الكارثة؟!! ولا نعلم بان مدينة كبيرة مثل بغداد التي كانت في وقت ما يسكنها اكبر عدد من الكورد مقارنة باية مدينة اخرى، فكم عدد الكورد الذين بقوا فيها اليوم؟! عندما تستباح بيتك فما الذي جرى لاصحاب البيت؟! وهذا يعني ان عدم بقاء الفيليين لا يختلف عن بقاء باقي الكورد في تلك الاماكن!!
5- من 17 / 7 / 1968 ولغاية 1 / 5 / 2003 وعهد الحكم البعثي، ووفق الاحصاءات الرسمية للهلال الاحمر والصليب الاحمر ووزارة الهجرة والمهجرين العراقية ووثائق المحكمة الجنائية العليا فان 750 الف كوردي فيلي تم تهجيرهم، وهنا من المستحسن ان نعود الى بداية حقبة الثمانينيات من القرن المنصرم وفقط من الناحية الديموغرافية نعلم بانه كم كان نفوس كوردستان عندما وصلت عملية تهجير الكورد الفيليين لذروتها ؟! كمثال ، ووفق إحصاءات رسمية نشرها الدكتور عبد الله غفور في كتاب المكونات القومية المقيمة في جنوب كوردستان واعتمد فيها على التعداد العام للسكان لعام 1977 وهو عام ليس ببعيد عن عام حصول كارثة تهجير الكورد الفيليين، كان عدد نفوس محافظة السليمانية 690.557 نسمة، ومقارنة مع الـ750 الف كوردي فيلي مهجر كان عدده يفوق عدد سكان السليمانية بـ 60 الف نسمة.
وكان عدد السكان في محافظة اربيل 541.456 نسمة، يعني مجموع المهجرين الفيليين يعادل سكان اربيل ويفوقها بقرابة 210 الاف نسمة.
اما محافظة دهوك من المرجح القول بان سكان في ذلك الحين كان 250.575 مما يعني ان عدد المهجرين الفيليين يفوقها بثلاثة أضعاف!!.
والنقطة الاهم هي انه اذا مجموع سكان المحافظات الثلاث الرئيسة في الإقليم 1.482.588 نسمة فهذا يعني أن ما يعادل نصف عدد سكان المحافظات الثلاث من الكورد الفيليين قد تم تهجيرهم!! فإذا افترضنا عدم صحة تلك الأرقام وحتى إذا تم إنقاصها فإنها ستبقى اكبر من الأرقام السابقة لأعداد الضحايا! هذا هو برنامج عمل امتنا وتجربة شعب لإظهار مستوى الفهم والالتزام بالواجبات والمهام القومية والمعتقدات والحقوق، فان الكورد يستطيعون ويجب عليهم ان يكونوا حريصين على مكوناتهم كواجب وايمان، تماما مثلما فعل الاعداء في عملية الثأر من ثورتنا القومية عندما ارتكبوا الابادة الجماعية والانفال والقصف بالاسلحة الكيمياوية لكوردستان كبرنامج وهدف رئيس لهم!