2018-09-21 11:01:00

يبتعد السؤال كثيرا عن كونه نمطيا في حقبة كونية انقلابية بسبب عولمة الثقافات والمجتمعات، حتى تداخلت الهويات الخاصة، واضمحلّت الكثير من ملامحها المميزة، وصبغت حالة من الهجانة تلك الأصالة العراقية التقليدية بسبب إفراغها من محتواها لصالح عدم الانتماء بسبب فقدان الثقة بالنفس والوطن.

العراقي اليوم، وهو يعيش حالة من عدم الثقة بالذات، أفرزتها تغييرات جوهرية سياسية واجتماعية في بلاده لاسيما التغيير غير النمطي في العام 2003، بواسطة اكبر آلة عسكرية شهدها تاريخ الإنسان، تنتابه حالة القلق من مستقبله، بعد ان فشل التغيير في خلق حالة مستقرة، وهو في امس الحاجة اليوم الى ابتكار لأساليب والأدوات التي يسترجع فيها عزمه، ويستجمع إرادته، لبناء المجتمع، والتأسيس لمعادلات اجتماعية جديدة، تنتج جيلا قادرا على الإبداع والخلق.

يحتاج العراقي الى نبذ التعصب "القطرْي"، والاعتقادي، منفتحا على العام، عبر نوافذ غنية بفلاتر تستقطب إيجابيات التجارب العالمية وتنبذ الطالح منها، لبناء دولة جديدة بزمن أقصر، وتكاليف اقل، اذا ما استفاد العراقي من تجارب الدول المتقدمة.

يحتاج العراقي الى مفهوم جديد للنخبة، ففي خضم العولمة التي لا يمكن لمجتمع ان يصد رياحها العاتية، فان المجتمع العراقي، يحتاج الى تجديد هويته الاجتماعية، بامتلاك النخب أدوات واعية في التوجيه والقيادة تواكب عصر العولمة، وتتحاشى الخطاب النمطي التقليدي، الى أساليب عصرية في الاستقطاب والمواجهة، وان تندفع الى تغيير المجتمع بمحركات وجدانية وأخلاقية تنسجم مع روح الحضارة العصرية الجديدة..

لن يشعر العراقي بعراقيته حتى يجفف مناسيب الشعور باليأس، وان لا يتقاعس عن إزالة الأدغال والنفايات التي حولت حياته الى كهوف مظلة بسبب الفساد وسوء الإدارة، وحقبة الدكتاتورية البغيضة، ذلك ان الإعطاب التي تجذر في الحياة العراقية، سيظل لفترة طويلة جدا، في خضم التردد والخوف من الاقتراب منه، من قبل الفرد العادي والنخب.

الشعور بالأنا العراقية، سيكون أمرا غائبا عن الوعي طالما صار الانتماء عبئا على الفرد، وانتفى الشعور بأهمية الوجود العراقي، ومحاولة الفرد الفرار إلى الوجود الآخر، كسبا لهوية أخرى توفر له حياة كريمة، ويمكن تلمس ذلك بوضوح في أبناء المهاجرين الذي يرفضون العودة الى بلدهم، فيما أفراد الدول المتقدمة يفخرون ببلدانهم الأصلية رغم تجنسهم الجنسيات الأخرى.

لا شك في أن الفخر بـ"العراقية"، يحتاج الى إعادة تفعيل الشعور بالوطن، وهي عملية ليست مصطنعة ولا يمكن استيرادها، بل هي شعور فطري ينمو بمرور الزمن مع انحسار الفساد، وتصاعد قيم الأخلاق وهدم قيم الفساد، وتحوّل الأحزاب إلى منظمات جماهرية تدافع عن المواطن لا عن المصالح الخاصة.

إن أي تغيير سياسي، على مستوى الحكومات والأحزاب، سوف لن يساهم في استرداد الشعور المفقود بالهوية ما لم يصحبه، انقلاب على الذات المؤسساتية والحزبية، ومساهمة المتنفذين في المستويات العليا الاجتماعية والوظيفية، والثقافية، وأصحاب رؤوس الأموال، في تسخير كل الإمكانيات لصالح الفرد، وجعله في ثقة مطلقة بالمستقبل.