هل للحقيقة وجه واحد أم أوجه متعددة؟
سؤال مؤرق فعلاً، حيثما ينظر كل واحد منا من زاويته إلى ذات المشهد، تلك الزاوية التي تخفي خلفية معلوماتية أو عاطفية تجاه ذلك المشهد أو الحدث، ومن هنا تتعدد الزوايا وتتعدد منها الرؤية أيضاً، ومن هنا ينظر إبراهيم الزبيدي كاتب المقال (بيان آذار العراقي ومسلسل الآلام الطويل) البعثي الصدامي، الذي عمل ردحاً من الزمن ينظر للأمور من زاوية الشعار القلق ( نفذ ثمّ ناقش) الذي خدم تحت مظلته قيادة صدام حسين وعدنان طلفاح، ودفع العراقيون عرباً وكورداً شلالات من الدماء لتلك الثقافة وشعارها الاستعبادي، الذي اعتمده كاتب المقال في معظم ما يتعلق بأطروحاته السياسية والفكرية، وبالذات تلك التي يرى فيها قضية الكورد وكوردستان، مبتعداً بسبب تلك العقلية عن حقائق التاريخ وأصل الصراع وإن تعددت زوايا النظر إلى ثوابت حاول تشويهها أو استبدالها بفرضيات ترضي نسيجه الحسي المفعم بالعنصرية تجاه قضية الكورد.
والغريب أنه استخدم (لولا) بشكل مثير لكي يوصل حلقات سلسلة حروب النظام السابق باتفاقية آذار والخلاف حول قانون الحكم الذاتي الذي أرادوه تفصيلاً على قياساتهم وليس تحقيقاً لطموحات شعب كوردستان، فهو يتناسى جملة حقائق بعيدة جداً عما ينظر إليه من زاوية "نفذ ثم ناقش"، وهو الذي مارس وعايش عمليات اغتيال آلاف الشيوعيين والمعارضين بعد أيام من انقلاب البعثيين على عبد الكريم قاسم على أيدي الحرس القومي، وشيوع ثقافة التصفية الجسدية والإبادة الجماعية لكل من يعارضهم في نهجهم وشموليتهم، وبالتأكيد فهو ينظر إلى حل القضية الكوردية من خلفية صيد السمك بالتفجير على عادته أيام صباه مع صدام حسين مواطنه في تكريت التي نشأ فيها وترعرع على أفكار وثقافة القتل الجماعي للأسماك بالتفجيرات، فلا عجب إذن أن يعتبر ما حققه الشعب الكوردي من إنجازات بنضال طليعته الثورية البيشمركة وتضحيات مئات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، منّة من نظام رفيق دربه صدام حسين، وهو الذي يستسهل الصيد كالفرسان باستخدام التفجير والإبادة الجماعية في الأنهر كما كان يفعلها وصدامه مع الكورد! لقد كانت اتفاقية 11 آذار التي مضى عليها اليوم خمسون عاماً كما قال عنها أحد أبرز مهندسيها الرئيس مسعود بارزاني: "إنها نصر لإرادة شعب كوردستان وصموده وتضحيات الپێشمهرگة والكوردستانيين، التي أرغمت النظام على الاعتراف، لأول مرة وبشكل رسمي، بحقوق شعبنا"، لا كما يصورها إبراهيم الزبيدي، محاولاً تشويش القارئ بكونها بداية خراب العراق، وتلفيقات أساسها الفشل في فهم أصل الصراع، والمضحك المبكي إن الكاتب الخارج من دهاليز ثقافة قصر النهاية، يعتبر كل حروب العراق الداخلية والخارجية مع الكورد والشيعة والسنة وإيران والكويت والسعودية، وعمليات التصفية الجسدية لآلاف العراقيين من عبد الرزاق النايف وحتى أكثر من نصف القيادة القطرية لحزب البعث مروراً بآلاف الشيوعيين الذين قتلوا بعد أيام من سيطرة الحرس القومي على الحكم 1963 وما تلاها من جرائم الأنفال والمقابر الجماعية، كلها اعتبرها الكاتب من نتائج اتفاقية آذار(!؟).
حقاً أنها مهزلة فكرية تظهر مدى بؤس تلك الثقافة التي حولت العراق إلى حفنة تراب كما أرداها صراحة رئيس الكاتب وملهم تفكيره وثقافته، ورحم الله أحمد سعيد المذيع المصري الذي قذف إسرائيل في البحر إذاعيا، فخسر سيناء برمتها ومعها الجولان والضفة الغربية، لكنه أبقى لنا ما نتذكره به، وطيب الله ذكر الفنانة دلال شمالي التي كانت سبب هروب الزبيدي خارج أسوار المعتقل الكبير أو جنة رفيقه ورئيسه الضرورة.