المقالات والتقارير التي كتبت خلال الأسابيع السابقة عن إحتمالات الحرب والسلام بين إيران وأمريكا، تشبه، في بعض جوانبها، الأمطار الغزيرة التي هطلت في الربيع الماضي، والتي نست أوتناست أن موسم هطولها إنتهى، وبقيت ترفض مغادرة نشرات الأخبار التي تتحدث عن الأنواء الجوية. وقد كتبت وفقاً للرغبات الشخصية والتمنيات ووجهات النظر الذاتية والتوجهات الحزبية والمذهبية والقومية، أي بعيداً عن المسؤوليات الأخلاقية والمهنية، وذكرت فيها نصف الحقائق، وحاولت بإستمرار إعطاء الحق لأحد الطرفين على حساب الطرف الآخر. وهذا الأمر ينطبق على صياغة الكثير من الأخبار المتعلقة بالنزاع الإيراني الأمريكي، لذلك نراها مليئة بالأحقاد والتلاعب والخداع.
أما الإيحاءات والتصريحات والتحركات والإجتماعات السرية والعلنية والإستعدادات والترتيبات وإستقدام البارجات وعرض العضلات، فتوحي الى ان شبح الحرب المدمرة يلوح في الأفق، وأن الحدث السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي الجديد المفترض في منطقتنا المضطربة، قاب قوسين أو أدنى، وأن التطمينات التي تأتي من واشنطن وطهران، وتحذيرات البعض من تداعياتها، وأية وساطة بين الجانبين لاتفضي إلى انهاء التوتر وتليين المواقف وتفادي وقوع الحرب. لأن الأمريكان ومن معهم على يقين بأن تفادي الحرب أو التريث في إشعالها، حماية وإنقاذ لإيران ودعم لمشروعه في المنطقة التي ستتعرض للإنهيار بسبب تحولها الى معسكرات، ولأن تجار الاسلحة يرون فيها فرصة كبيرة لإنتعاش تجارتهم ونهب اموال المنطقة. ولأن الإيرانيين على علم مسبق بإستعدادات الأمريكان الذين يعتبرون الحرب ضرورة ملحة ولابد منها.
وبخصوص وضع العراق، الذي نجده في الواقع الصعب، في الفترة المقبلة فيتمحورت حول فرضيات الخوف من الهجمات التي تشنها قوات هذا الجانب ضد الآخر. وسيكون مرهوناً بتنفيذ التزامات يعتبرها البعض من العراقيين ثابتة وتاريخية ودينية ومذهبية وإستراتيجية امام طهران من جهة، وشراكة حقيقية على مختلف الأصعدة أمام واشنطن من جهة أخرى. وفي المقابل يعتبرها آخرون أنها لا تأخذ بنظرِ الإعتبار مصالح العراقيين ولا تعير أية حرمة للدماء الزكية التي سالت خلال السنوات السابقة. وسيبقى مأزوماً وقابلاً للتَّصعيد الذي لا يسلم منه أحد. وإنه (أي العراق) سيكون من بين الأطراف الخاسرة التي تقع في مهب الريح، والحقيقة المتعلقة بهذا الإستنتاج نابع من عدم تجانس العراقيين فيما بينهم، وإختلافاتهم وتناقضاتهم المبطنة والظاهرة، وإنشغال كل الأطراف بالصراعات والمنافسات وبإزاحة أو تهميش الآخرين، والإصرار على التعنت ورفض الاستحقاقات المطلوبة، ولعب أدوار أكبر من أحجامهم وقدراتهم، أدوار ترهقهم وتلخبط أوراقهم.
هذا يعني إننا سنرى الكثير من الأحداث في الفترة المقبلة في العراق المشرع أمام مختلف التحديات. خصوصاً وأنه عصيٌّ على التَّغيير ولايملك سيادته ولايمكنه التفكير بصوت عال في مصالحه وتقديم أمنه الوطني على مصالح الآخرين، ولا يمكنه إتخاذ قرارات تخص إعلان إنتفاء الحاجة للجانبين، أو البدء بتحييد نفسه عن الصراعاتعبر التفكير بسياسة النأي بالنفس، أو حتى التقيّد بدقة والوقوف مع أحد الجانبين. (طبعاً) عدا الذين قالوا علنا انهم يقفون مع ايران ضد العراق إذا إندلعت الحرب بين إيران والعراق، وهذا يعني، وبالتأكيد المطلق إنهم يقفون مع إيران ضد امريكا، بدون الحاجة الى خلق الذرائع. وإنهم يجعلون العراق ساحة حرب ضد الأميركان.
أما العراقيون العقلاء فيشعرون أنهم يقتربون من الصدمة الهاوية ويشعرون بظلم وغبن شديدين جراء كيل المديح للساسة الذين لم يكونوا صريحين وصادقين ولو لمرة واحدة فيما قالوه بخصوص أولوياتهم وإهتماماتهم. ويتذكرون السياسات والممارسات التي آذت مشاعرهم، والقرارات المجحفة التي إنتهكت حقوقهم الوطنية والدستورية والقانونية والشرعية.