في هذا الوقت الحسّاس، وبعد المشاورات السرية والعلنية في الغرف المغلقة بين الزعامات السياسية الشيعية للإتفاق على تكليف شخصية لتشكيل الحكومة الجديدة في العراق. وبعد إنقسام المنقسمون بينهم مرة أخرى، بين من يخشى على فقدان نفوذه السياسي ويهدد بإغراق الجميع في بحر الفوضى، وبين من يريد أن يعمل بشكل عقلاني وحكيم للتوصل إلى اتفاق وطني، واختيار رئيس للحكومة يقبل به الشعب، ويجمع بين كل الأطراف ويشاركهم في تشكيل حكومة قوية تدعمها غالبية القوى السياسية العراقية والمحتجون، لإخراج العراق من الأزمات.
وفي ظلّ تجاذبات حزبية وطموحات فردية، تم تكليف عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة الجديدة في العراق، كحدث غير مهم، ويبدو إنه سيمرّ كأي حدث عادي آخر، بغض النظر عمّا اذا كان مرشحاً خارج السياقات الدستورية، أو مقدمة لخطة أعدت مسبقا تتضمن قلب الطاولة على بعض الأطراف السياسية، بهدف تفجير صراعات متعددة الجوانب، أو إستغلالاً لنقاط ضعف القوى السياسية الشيعية، أومغامرة جديدة غير واقعية تبغي تحقيق أهداف تتجاوز الواقع المفروض، أو خطوة غير محسوبة العواقب، أوتجاوز واستخفاف بالتوافق بين القوى السياسية، أو أملا في عبور الأزمات ولو بمخالفة دستورية مقصودة، أو مجاملة لأطراف سياسية على حساب أخرى، أو تعبير عن وجود رغبة جدّية في محاولة الانتقال بالعراق الى مرحلة جديدة مختلفة من جهة، والتعاطي مع الأحداث الصعبة والمعقدة في مرحلة لن تكون سهلة.
السيد رئيس الجمهورية، الذي كلف الزرفي، خرج عن نطاق العملية السياسية المعمول بها منذ 2003، رغم أنه على يقين تام بأن الزرفي لايستطيع الحصول على المباركة السياسية ما لم يرضخ لطلبات القوى السياسية العراقية، ولا يستطيع التقرب من الشارع المحتج وإقناعه. ولا يستطيع إكمال مهمته، وسيقدم ، بل سيجبر على الاعتذار عن تشكيل الحكومة.
أما الزرفي، فهو على يقين، أكثر من تام، بأنه سيقع في المحظور، وسيفشل أمام الفريق السياسي الراسخ الذي يتحكّم بغالبية مقدّرات البلاد ويريد الإستمرار في الهيمنة على المشهد السياسي، والمناهض له ولرئيس إئتلاف النصر، وسيتم رفضه من قبل الشعب، وإسقاطه من قبل البرلمان.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كان رئيس الجمهورية واثقاً من فشل الزرفي، لما قام بتكليفه؟ .وإذا كان الزرفي واثقاً من عدم التمكن من العبور ونيل الثقة في البرلمان، لماذا قبل بالتكليف؟
الجواب هو: حسابات تدور في فلك الهزيمة والإنتصار، وسجال سياسي غير برىء، وتضخيم وتهويل للمواقف في سبيل توجيه رسالة لشعب يتوق للتغيير ويفتقد الثقة بالطبقة السياسية، وهروب من المسؤولية في واقعة ربما هي الأولى من نوعها بعد عام 2003، وبالذات بعد حدث إخفاق محمد توفيق علاوي، الذي تم تكليفه اعتماداً على المحاصصة من الأساس، في تشكيل حكومة عراقية جديدة، من طراز خاص لاتشبه كل أنواع وأشكال الحكومات في كل الأنظمة السياسية في العالم. أي حكومة غير أغلبية وغير توافقية وغير ائتلافية وغير انتقالية، وغير مؤقتة، وغير عسكرية، وليست حكومة وحدة وطنية، ولكن تحت إسم (المستقلة) التي لايخضع ولا يتقيد صاحبها في أحكامه و تصرفاته وما يصدر عنه من قرارات لأية قواعد قانونية أوأنظمة ثابتة. وإثر تعنته ومواقفه المتباينة وغير الواضحة حيال إقليم كوردستان وتجاهله للعرب السنة ولبعض الشخصيات والأحزاب الشيعية وعدم إحساسه بالقضايا الدستورية وعدم إحترامه للحقوق والحريات العامة، وركوبه صهوة الغرور والغطرسة، وإطلاقه الاتهامات بحق قوى سياسية فاعلة في البلاد.