بما أن الهوية الوطنية الواحدة لدولة كوردستان أصبحت اليوم جداراً صلباً ومنيعاً لصد جميع المحاولات الإرهابية البشعة لداعش وقوی شوفينية خارجية أخری، ترغب النيل من وحدة وتماسك وقوة المجتمع الكوردستاني وتعمل من أجل هدم إستقرارە وأمنه وإيقاف نهضته الإقتصادية والعمرانية والمدنية، نری التطورات الأخیرة في العراق تثبت لنا مرة أخری وبکل وضوح بأن التاریخ في الشرق الأوسط یعید نفسه وللمرة الألف. هناك قوی تعادي التأقلم مع العالم المتحضر و ترید العیش في الماضي، أي الإستمرار في سیاسة السلب و النهب والأنفال والتعریب والترهیب.
إن رفع علم كوردستان على المؤسسات الحكومية والرسمية في مدینة كركوك ، التي هي خط التماس والدفاعي لكوردستان، جاءت متأخرة لکنها خطوة مهمة نحو الأمام.
شعب كوردستان يحب بلدە ويتمنى له الأمن والإستقرار ومسألة كوردستانية المناطق الكوردستانية التي كانت خارجە عن إدارة إقليم كوردستان ، كالمدينة التاريخية كركوك ، بالنسبة له فهي محسومة من النواحي التاريخية والجغرافية والواقعية ولايحتاج في ظل الواقع الجديد وبعد دخول قوات البيشمركة الیها لحمايتها ومنع سقوطها بأيدي الإرهابيين والبعثيين ، بعد إنسحاب القوات الحكومية منها ، أن يحل وفق المادة 140 من الدستور العراقي ، التي بقيت لمدة ١١ سنوات دون جدوی. و يعتبرون هذه المادة اليوم منجزة و منتهية و لن يتحدثون عنها مستقبلاً. الكورد لایساومون علی كوردستانیة كرکوك و علی الجهات الرسمیة الإسراع لإجراء إستفتاء لإلحاق كركوك بإقليم كوردستان بشكل قانوني.
الهوية الكوردستانية كوعاء وطني كبير يعترف ويوثق ويستوعب كل الطوائف ومكونات المجتمع الكوردستاني ، بهدف خلق كيان كبير وقوي يمثل الجميع ولايقصي أو يلغي أحداً ، بل يقويه وينميه داخل الإطار الوطني العام الذي يقوي كل مكوناته ويهدف الی صنع نقطة تلاق وارتكاز وانطلاق واحدة للمجتمع لينطلق منها لتحقيق أهدافه العليا.
إن تصميـم الهوية الكوردستانية الواحدة والجامعة للمجتمع الكوردستاني الموحد ضرورة تاريخية ملحة للمرحلة التأسيسية وكذلك لباقي مراحل وعمليات بناء الدولة الكوردستانية الحديثة المسكونة بروح العصر والمطبوعة بالمدنية والديمقراطية والتي تملك العلاقة التفاعلية بين ثلاث مكونات وهي الإقليم كمجال حيوي لوجود الدولة وتحديد وجودها القانوني والسكان ، الذين يتغيرون من ناحية أشكال وجودهم الإجتماعية والسلطة ، التي تتغير باستمرار ومن نواحي عديدة وبإتجاهات مختلفة. هنا نستطيع أن نأتي بتجربة الولايات المتحدة الأمريکية المستوعبة لأضخم تعدد وتنوع بشري عرفته البشرية لمزجه في كيان واحد موحد ومنظم وموجه لتحقيق المصالح العليا لتلك الدولة ، حالها حال الأمة البريطانية والفرنسية والماليزية وغيرها.
فالهوية الوطنية الكوردستانية كدستور ضمني غير مكتوب وغير معلن تتشكل من اللغة والتراث التاريخي للمجتمع الكوردستاني ومن القيم الحاكمة له بالإضافة الی رٶیته وأهدافه المستقبلية المستندة الی القيم الإنسانية العالمية ، كالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة ، التي تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي وتصون الحريات الخاصة والعامة و تضمن الأمن والاستقرار المجتمع
وختاماً: نحن الآن في الربع الأول من القرن الواحد والعشرین، نعرف جیداً بأن عولمة الهوية الوطنیة لا تحدث دون إمتلاك للمعرفة أو لمفاعيل علمية. أما الشأن العام فهو اليوم لم يعد حكراً علی منظومة خاصة أو نخبة سياسية ، بل هو مجال تداولي يمكن لكل فاعل اجتماعي المساهمة في تشكيله و توسيعه أو الدفاع عنه وذلك عبر الإنخراط في المناقشات العمومية أو بتسليط الضوء علی قضايا الساعة أو تقديم مبادرات خلاقة لحل المشكلات وتدبر الأزمات. الهوية القوية والفعّالة ليست ما يملكه المرء أو يُعطی له ، وإنها ليست كياناً ما ورائياً ، وإنما هي ثمرة الجهد والمراس والإشتغال علی المعطی الوجودي ، بكل أبعاده ، من أجل تحويله الی أعمال وإنجازات ، فهي إنبناء وتشكيل بقدر ما هي صناعة و تحويل.
الدکتور سامان سوراني