بما أن جائحة كورونا سوف تسهم في تقوية دور الحکومات وتعزيز الوطنية، لکن الدخول في المسرح الدولي بحاجة الی عمل صانع القرار في حل الخلافات الداخلية، لأن السياسة الخارجية الفعؔالة، التي تعبر عن الإرادة الشعبية، تطلب دوماً أن یكون الشعب متحد حول سياسة خارجية متحدة.
نحن نری بأن السياسة الخارجية هي جزء مهم من النشاط الحكومي نحو الخارج و جزء من السياسة الوطنية الناتجة من قرارات وأفعال صادرة من أصحاب القرار لمعالجة مشاکل تطرح ماوراء الحدود بهدف تحقيق أهداف بعيدة أو قريبة المدی.
أي أن السياسة الخارجية هي المفتاح الرئیسي في العملية التي تترجم بها الدولة أهدافها ومصالحها بعد أختيار ماينبغي علیها أن تقوم بە فيما يخص الشٶون الدولية وفي إطار حدود قوتها و واقع بیئتها الخارجية.
فیروس کورونا الذي أدی الی تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة التوتر بين الدول وعدم الإستقرار و ساهم في حصول نزاع واسع النطاق داخل بعض الدول وفيما بینها، يجبرنا أن نؤمن بإستبعاد عودة العالم مرة أخری إلى فكرة العولمة ذات المنفعة المتبادلة، التي اتسم بها مع بدايات القرن الحادي والعشرين.
السؤال هو، ماهي الثوابت والمرتکزات التي تقوم علیها السياسة الخارجية لإقلیم كوردستان في ظل التغيرات المحورية في التعاون الدولي و تغيير خریطة السيطرة والصراع والوسائل المستخدمة في عالم متعدد الأقطاب "Multi polar" بشكل متزايد؟
وکیف تؤثر السياسة الخارجية أو في حالة الإقلیم ما يسمی بالـ"Para diplomacy"، التي هي ليست فقط وصفاً لما تقوم به حکومة الإقلیم ولكنها أيضا تفسير لما تفعلها، في عالم الغد و مکان و دور الإقلیم في هذا العالم وهل بإستطاعتها عن طریق إستخدام الحياد الإيجابي و حماية التوازن ومبادرات ذاتية القیام بتألیف نقطة جیو-إستراتیجیة شديدة الحساسية في الدائرة الکبری للأمن القومي للقوی العظمی، لکي لایتم التعامل مع الإقليم بسياسة التعامل مع الوضع "Situation based policy" أو في إطار الـ"Grand strategy"؟
ما نتصوره هو أن الدول والحکومات التي تنجو بفضل نظمها السياسية والاقتصادية والصحية الفريدة، هي من ستفوز على الدول والحکومات التي خرجت بنتائج مختلفة ومدمرة في معركتها ضد كورونا.
إن الوضع المتميز الذي يتمتع به إقليم كوردستان من الناحية السياسية يدفع السياسة الخارجية في الإقلیم الی التوجه نحو وضع خطة إستراتيجية شاملة للتعامل مع الوضع الحالي والمحاولة الجدية للحفاظ علی الوضع الامني والعسكري المستقر وذلك لتحقيق الاهداف السياسية والاقتصادية والأمنية المتعلقة بالحفاظ علی بقاء الکيان السياسي للإقلیم، الذي علیه أن يبقی محترماً علی المستويين الدولي والإقليمي.
فمن أجل تحقيق مستقبل أفضل لهذا الاقليم، الذي يعتبر من الناحية الأمنية القطب الهادیء في المنطقة، علیه تجاوز المعوقات التي تعترض طريق وضع الخطة الاستراتيجية لتفعیل العملية الديمقراطية ومکافحة الفساد الاداري والسياسي والاقتصادي ووضع حد للتدخلات الخارجية من قبل دول الجوار الاقليمي.
فالظهور بمظهر متحد في السياسة الخارجية المتعلقة بالأمور الصحية والمالية والإقتصادية والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان والمطالبة بالسلام والسعي نحو الرفاهية والأمن أصبح وربط السياسة الخارجية بالداخلية من الأهمية بمكان، خاصة في هذا العصر الذي أصبحت فيه نبرة التعامل أكثر خشونة، والنظام العالمي أقل استقراراً.
علی السياسة الخارجية في الإقليم العمل الجاد والإستمرار في حثّ الحلفاء والدول الصديقة لدفع الحکومة الإتحادية بإتجاه تطبيق بنود الدستور و إرساء حكم القانون وإستقلال القضاء وإحترام مبادیء الشراكة و رأي الشعب والتقلیل من المعضلات التي أدت في الماضي الی خلافات حادة مع الإقلیم و تعقيد العملية السياسية وبروز الاحتجاجات وإعتصامات في أغلب المناطق الجنوبية بالعراق.
وعلی السياسة الخارجية في الإقلیم أیضاً التأکيد علی الإيمان بالإستراتيجية القائمة علی أساس التعايش المشترك بعيداً عن المبادیء المطلقة و الإرادات الفوقية المتعالية، التي تدفع البشرية في غير مكان ثمن مصائبها و كوراثها، فاستقطاب المصالح الاقتصادية و الطاقة لدول العالم و ربطها بأسواق إقليم كوردستان وتأمين المصالح و صنع المصائر هو صناعة مشتركة يساهم فيها كل مواطن كوردستاني من موقعه و حقل عمله.
أما الأحزاب السياسية التي تمارس في ظل الفضاء الديمقراطي المتواجد في الإقلیم عملها بحرية كاملة وتمتلك الی درجة الصوت في تكوين السياسات الخارجية فعلیهم أن يکونوا فعلاً بمثابة العمود الفقري للنظام السياسي الديمقراطي وأداة ربط المواطنين بحكومة الإقلیم، لا أن يستمرون في التعارضات الخانقة وذلك بهدف شل عملیة صناعة التنمية وهندسة العلاقات السياسية، تلك العلاقات التي تٶمن مستقبل زاهر للإقلیم و تؤدي الی الحرية والإستنارة والعقلانية وتحمي في النهاية الأهداف الوطنية النبيلة.
وختاماً: إن الإصرار علی الفضاء العالمي، الذي هو مدی حيوي لإقليم كوردستان وإتقان فن التعايش والتبادل لإزالة العوائق و حلحلة العُقد يصنع السوق ويُنمي الإقتصاد، فهو عنوان الحضارة وأساس بناء العلاقات الدولية وسيادة الدولة.