تبقى الازمة مفتوحة ما بقيت الاطراف السياسية متمترسة عند حدود الاستفتاء ونتيجته. ونتيجته كانت متوقعة، ولم ينتظر احد شيئا سواها. وهو ما يتطابق مع مشاهد زحف الناخبين للتصويت لقوائم معينة، مذهبية او قومية، في جميع الانتخابات السابقة. انها النتيجة الطبيعية في بلد لم يتماسك النسيج الاجتماعي لشعبه في هوية وطنية جامعة. لذلك نراه ينقسم عند اي منعطف على وفق الطائفة والاثنية.
مع هذا بقي هناك من يتمسك بأمل صياغة الهوية الوطنية، ومن هؤلاء القوى والشخصيات المدنية التي صمدت متحدية رياح الطائفية والعنصرية القومية.
وقد عانت هذه القوى وما زالت من جميع اشكال الضغط الذي تفرضه عليها القوى الطائفية والقومية المتعصبة وابواقها. وما الحملة القاسية التي شنت عليها بسبب موقفها من الاستفتاء، الا واحدة من حملات الارهاب الفكري المنظم، الذي اتخذ شكلين مختلفين مظهرا ومتطابقين جوهرا. حيث شن المتعصبون الكرد على كل ناشط كردي لم يعتبر اجراء الاستفتاء موقفا صحيحا، هجوما واتهاما بالخيانة القومية. وفي مقابل ذلك جرى التعرض لوطنية الناشطين المدنيين، الذين فضحوا اسرار لعب المتنفذين بوتر المشاعر القومية الشوفينية، بعد ان فشل خطابهم الطائفي وانكشف "دفاعهم" المنافق عن مظلومية الطائفة، وهي الخدعة التي يراد منها تخدير الشعب، بهدف سرقة موارده في وضح النهار ومن دون مقاومة.
باسم مظلومية الشيعة يتسع نطاق خط الفقر في كافة محافظات الوسط والجنوب. وباسم التهميش ينهب زعماء الطائفية من السنة حتى مساعدات اغاثة النازحين، وباسم القومية يئن كادحو كردستان وفقراؤها تحت طائلة العوز والوضع المعيشي السيء.
الصراع على محافظة كركوك لا يجري من اجل رفاهية مواطنيها، وانما بسبب الثروة النفطية فيها، حالها حال البصرة التي تعاني من نقص الخدمات رغم ما تنتج من ثروات نفطية تشكل اكبر مدخلات ميزانية الدولة. لذلك جاء تصويت اهالي مدينة حلبجة الشهيدة بنسبة لم تتجاوز ٥٠ بالمائة، حسب النائبة آلا الطالباني. ودلالة التصويت هنا بـ (لا) والذي بلغ ٢٢ في المائة، هي ان مواطني المدينة التي أصبحت رمزا للتضحية ولمظلومية الكرد، لم يغرهم الخطاب القومي فيما هم يعيشون تحت وطأة العوز والفقر والاهمال.
ان غاية صراع رموز السلطة وفرسان الفساد باسم الطائفية في وسط وجنوب العراق بالامس، وباسم وحدة العراق اليوم، وباسم القومية واعلان الدولة في كردستان، هي ترسيخ وجودهم في السلطة، التي تعني لهم الصفقات والمال والجاه والنفوذ على حساب فقراء العراق من كل القوميات والطوائف. انهم لا يخوضون الصراع من اجل اعتماد المواطنة وتعزيزها وتحسين الاحوال المعيشية للمواطنين، بل من اجل مصالحهم ولتأمينها وتقاسم الغنائم في ما بينهم. من اجل ذلك وقعوا الاتفاقات السرية، وتوافقوا على تقسيم النفوذ وتوزيع الاسلاب. وحين يختلفون على ذلك يسارعون الى اعادة التساوم وعقد صفقات جديدة.
لا خشية على العراق من التقسيم، فالعراق عصي على ذلك. انما اليقظة ضرورية ازاء محاولات رموز السلطة وفرسان الفساد، من العرب والكرد، سنة وشيعة، لتوحيد صفوفهم واعادة ترتيب اوضاعهم عبر اتفاقات سرية جديدة، يعملون كعادتهم على صياغتها بعيدا عن اعين الشعب. اتفاقات تعيد توزيع السلطة في ما بينهم، وتؤمن لهم النفوذ والجاه، وقبل هذا وذاك تديم وجودهم في مراكز القرار.