2017-12-26 12:13:00

عند الحديث عن الإنسحاب من حكومة‌‌ إقليم كوردستان الحالية‌ التي يتهمها البعض  بالفشل، ويصفها البعض الآخر بالناجحة، لابد من العودة الى الظروف التي تم فيها تشكيل هذه الحكومة، عندما كانت أربيل عاصمة مهمة في المنطقة، تطرح منها المبادرات وتحل فيها المشكلات، تزورها الشخصيات الوطنية العراقية وقادة وزعماء العالم، وعندما كانت دول الجوار واوروبا وأمريكا وغالبية دول العالم منفتحه‌ على الإقليم.

بعد إعلان نتيجه‌ الإنتخابات البرلمانية‌ في العام 2013، وفوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالأكثرية، تم تكليف السيد نيجيرفان بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، من قبل حزبه لإجراء المفاوضات مع الأطراف الكوردستانية الفائزة في تلك الإنتخابات، بهدف تشكيل الحكومة، حيث جرت نقاشات ومشاورات وإجتماعات كثيرة أفضت الى إتخاذ القرار السياسي والإتفاق النظري على المبادئ العامة وشكل الحكومة، وتمحورغالبيتها حول المواقف المعلنة وغير المعلنة للأطراف الكوردستانية التي أكدت على التمسك بالأسس والمبادئ التي ناضلنا من أجلها، والتي سقط الشهداء في سبيلها، وكانت التوجهات المعلنة لغالبية الأطراف تؤكد على ضمان الشراكة الفاعلة والحقيقية في حكومة تصح فيها فعلاً تسمية القاعدة العريضة، وفي المحصلة تشكلت الحكومة الكوردستانية بعيداً عن عبارة ( أكثرية حاكمة وأقلية معارضة).

الرياح سارت كما لاتشتهي السفن، ففي بغداد زادت الممارسات الخاطئة ضد الكورد وإنهارت على أثارها كل الترتيبات، وبالذات بعد قطع حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية والتجاوز على مبادىء التوافق والشراكة الوطنية، واستيلاء داعش على مساحات واسعة من الاراضي والمدن.

وفي الإقليم ، تضاربت بعض برامج الأطراف المشاركة في الحكومة، وتحديدا برامج الأحزاب التي كانت في المعارضة مع برامج الأحزاب التي كانت في السلطة قبل الإنتخابات، ولم  تستوعب الحقائق وعاشت في بيئة الوهن الفكري وهي تحمل أثقال أحلامها الكبيرة وأوهامها الكثيرة. لذلك تجاهلت النداءات المخلصة وإستهانت بمشاعر الأكثرية وكذبت على الذات والآخرين في آن واحد، وتملصت من المسؤوليات، وتخلت عن الواجبات الحقيقية، من خلال تحريك الشارع ولعبة المظاهرات ومهاجمة المقرات الحزبية وحرقها، وممارسة اللاعقلانية السياسية في إسقاط الكثير من اللحظات التاريخية التي إنفتحت أمامنا ووجهت مدافعها الصوتية لإستحضار التهم وإثارة المشكلات وإستنفار الناس ومضاعفة حيرتهم، دون أن تعرف ان ذلك ربما سيؤدي الى إغراق الاقليم في بحر الفوضى والعنف، ولم تراجع سياساتها استنادًا إلى النتائج، بدليل عدم لجم إعلامها ونوابها وسياسييها الذين كانوا أسباباً لنشر الكراهية والحقد والبغضاء بين الكوردستانيين.

أما الآخرون فقد بذلوا محاولاتهم الجادة وأبدوا إصرارا على مواصلة التفاهم والحوار، وإعتبروا الحوار مهماً، بل في غاية الأهمية للكوردستانيين وللمصالح القومية والوطنية، وحرصوا على إستمراره، وأبدوا المرونة خلال إجتماعاتهم وإبتعدوا عن الاثارة في تصريحاتهم، لتجنب إعطاء الفرص للمتربصين بأقليمنا، وكذلك لمنع لغة العقل والمنطق على ترك الساحة السياسية كي تستمر كافة الأطراف في تبادل الاراء ووجهات النظر، ولعدم ترك الاقليم تحت رحمة المزايدات السياسية، أو لتسديد حسابات خاصة تتعلق بإنتعاش الرغبات الدفينة المعادية للكورد وكوردستان في ضوء تفاقم الأزمات في العراق وتطورات الاحداث في المنطقة. ولكن المشكلات التي عرقلت التوصل الى صيغة ممكنة للحل، تمثلت في عدم الجدية في إتخاذ مواقف حاسمة وحازمة وملزمة للكوردستانيين بإنهاء الخلافات والتوصل الى التوافق الفعلي المنشود، وفي تمسك بعض الاحزاب بشروط تعجيزية من خلال طرح حلول عدمية قديمة تدعو الى التجاوز على الثوابت ورغبات الشعب.

بعد أحداث 16 إكتوبر، دعت بعض الأطراف الى حل حكومة الإقليم، رغم إنحسار المخاطر التي كانت تهدد الإقليم، وتغيير المواقف الدولية وبالذات الأوروبية والأميركية حيال الإقليم، وتأكيد الكثير من الحكومات على دعمها برئاسة نيجيرفان بارزاني، وتأكيد الحكومة الأمريكية بالحرف الواحد: (نريدها حكومة قوية). وما زالت تدعو الى حلها وهي ليست بغافلة عما قيل بحقها في وسائل الإعلام، وعما يقال بشأن أدائها خلال السنوات الماضية. هنا لا نزعم ان هذه الحكومة أنجزت المعجزات، لكننا لن نتردد عن القول أن لها الفضل في تحقيق الكثير من المكاسب والتغيرات الجوهرية في البناء، وانها حققت نجاحات وإنتصارات جعلتها هدفاً للفاشلين وأغاضتهم.  وفي ظلها وظل الحكومات الكوردستانية التي سبقتها، بعد عام 2003، شهدت كوردستان الديمقراطية والأمان والإستقرار، وانتعاشاً اقتصادياً وعمرانياً ونهضة كبيرة في مجال الاستثمار، وإرتفاعاً غير مسبوق في دخل الفرد.

اليوم وبدلاً عن تأييد هذه الحكومة ومساندتها، نشاهد إنسحابات منها ومحاولات لتبرئة الذات من الأخطاء، وتهرب من المسؤولية وتخلي عن الشعب المثقل بالآم في هذا الظرف الحساس الذي يفرض على كافة القيادات السياسية في الاقليم، اللجوء الى منطق الحوار الايجابي المفعم بروح قبول الآخرين من أجل الأهداف السامية والدخول في حوارات دقيقة تسودها المكاشفة والمصارحة، ومباحثات سريعة وجادة مع بعضها، ووضع الخلافات جانباً، ومراجعة و إستدراك الأخطاء و تعديلها، لتجاوز الأزمة وترميم العلاقات فيما بينها والخروج برؤية موحدة وبقرار سياسي وخطاب اعلامي موحد، حتى لو تطلبت هذه الأمور نوعاً من تقديم التنازلات أو المساومات، والتوجه نحو إنتخابات برلمانية مبكرة، وتشكيل وفود تشمل كل الاطراف الكوردستانية الفاعلة لزيارة مراكز القرار في العالم والعواصم الإقليمية ولإجراء المفاوضات الجادة مع بغداد على أساس دستوري. علماً أن عدم القدرة على قراءة الواقع والمستقبل والتأقلم مع الأحداث والمستجدات، تؤدي الى الإرتباك وخلق الأرباك، والإرباك كما هو معلوم نقص وضعف وتشويه واضح للقيم الأخلاقية والمتبنيات الفكريّة والمفاهيم الثقافية والإجتماعية والدينية، أما التفسيرات السطحية غير الدقيقة للمشكلات الحالية فإنها تخلي واضح عن الشعب وتكرار للأخطاء وإبتلاء بالمفاسد وفقدان للتوازن و إرتكاب للمظالم .