شفق نيوز/ يقولون إن الشدائد تجعل من الغريب خليلا، هذه المقولة تصدق حاليا بوجه خاص في الشرق الأوسط.
لقد أدى صعود تنظيم داعش، الذي يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق، إلى تشكيل تحالف كبير متعدد الجنسيات يضم الولايات المتحدة وتركيا وحلفاء واشنطن من دول الخليج، والكل عازم على تدمير التنظيم.
وهذا بالطبع ينطبق بلا غرابة على إيران وإسرائيل. ونجم عن هذا على سبيل المثال تكوين ميليشيات موالية لإيران في العراق تقف على نفس الجانب مع الولايات المتحدة.
وأبرز الكفاح ضد تنظيم داعش في سوريا تناقضات كثيرة، منها الشك في دعم دول الخليج لجماعات سنية على صلة بتنظيم القاعدة، في حين تحارب جماعة جبهة النصرة التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة ميليشيات سورية معتدلة حصلت على تدريب من الجانب الأمريكي.
فما الذي يحدث بالفعل؟ كيف لنا أن نفسر وجود بعض هذه التحالفات الغريبة وهذه التناقضات؟
دول منهارة
أصبحت دول مثل سوريا والعراق، والتي أخذت سماتها الحديثة نتاجا للتراجع الإمبريالي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، منهارة وربما استحالت عودتها إلى سابق عهدها مرة أخرى.
وتساءل قائد الجيش الأمريكي المنقضية فترة ولايته، ريموند أوديرنو، إذا كان من المحتمل أن تمثل خطة التقسيم خيارا أفضل للعراق.
وبالنسبة للوضع في سوريا، يستحيل أيضا التنبؤ بشكل دولة مقسمة في حالة سقوط نظام الأسد، فزيادة الفوضى ربما هي النتيجة الأعم على أرجح التقديرات.
وفي ظل كل هذه الفوضى يبدو الاصطفاف المعادي لتنظيم داعش واضحا بما يكفي.
اشتركت دول في الحملة الجوية ضد تنظيم داعش من بينها الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية الحليفة لها فضلا عن السعودية ودول خليجية إلى جانب كندا واستراليا.
وبالطبع هناك بعض الدول، مثل بريطانيا، تركز ضرباتها الجوية على أهداف تابعة لتنظيم داعش في العراق وليس في سوريا. وهذا التمييز بين الوضعين في العراق وسوريا يفسر بعض التعقيدات.
ولتلخيص الوضع في العراق توجه الولايات المتحدة وقوات التحالف ضربات جوية ضد أهداف تابعة لتنظيم داعش. كما يقاتل الجيش العراقي والمقاتلون الأكراد والميليشيات الموالية لإيران بدرجات متفاوتة بمثابرة على أراض الواقع.
وفي العراق، على الرغم من كل التعقيدات السياسات المحلية، فإن خطوط المعركة واضحة بشكل معقول.
لكن الوضع في سوريا مختلف تماما وهذا بسبب وجود معركتين هناك وليست معركة واحدة.
فثمة تشابهات، من جهة، مع الوضع في العراق من حيث توجيه الولايات المتحدة وقوات التحالف ضربات جوية لأهداف تابعة لتنظيم داعش بدعم من القوات الكردية وقوات أخرى على الأرض. لكن ما يطلق عليه قوات معتدلة معادية لتنظيم داعش تعتبر ضعيفة ومنقسمة، ولم تسفر جهود الأمريكيين الرامية لتعزيزهم عن طريق التدريب سوى عن نتائج ضعيفة جدا.
ويدعم حلفاء الولايات المتحدة من دول الخليج، مثل السعودية وقطر، جماعات مختلفة في سوريا في الوقت الذي يركزون فيه أكثر على حرب ثانية، إنها المعركة ضد النفوذ الإيراني في المنطقة التي يجسدها النظام السوري بقيادة بشار الأسد وحلفاؤه من جماعة حزب الله الموالية لإيران في لبنان.
فهم يحاربون إلى جانب قوات الحكومة السورية وثمة تقارير موثوق بها تشير إلى مشاركة قادة إيرانيين بارزين.
وبالنسبة لدول الخليج، يمثل الكفاح ضد إيران أهمية مثل الحرب ضد تنظيم داعش، وربما أكثر أهمية. فهم يغدقون الأموال والسلاح في سوريا في مسعى لتقويض نظام الأسد.
وتضيف حقيقة قتال نظام الأسد لتنظيم داعش إلى التناقضات في العواصم الغربية ويفسر صعوبة تطبيق استراتيجية متماسكة في المستقبل لكل من العراق وسوريا.
المعيار الكردي
بالطبع فإن الحرب الأهلية السورية ومعركة نظام الأسد من أجل البقاء ربما تستحق تسمية خاصة لكل منها على الرغم من أنها تضم عناصر من الحربين ذكرت بالفعل.
إن الكفاح الإيراني المضاد برز أيضا في اليمن عندما تدخل السعوديون وحلفاؤهم عسكريا، ومرة أخرى ثمة اعتقاد بأنها تدعم جماعات تعتبرها واشنطن ببساطة جماعات إرهابية على صلة بالقاعدة.
ويبرز عامل كردي. فالأكراد لديهم طموح سياسي وقومي لكنهم منقسمون بين تركيا وسوريا والعراق ومنقسمون إلى شيع متنافسة.
كما تهدد هشاشة العراق والانهيار الوشيك لسوريا بزيادة نفوذ الطموح الكردي، كما فعل الدعم الأمريكي لبعض الفصائل الكردية التي أثبتت قوة في قتالها ضد تنظيم داعش.
ويمثل ذلك لعنة ضد الحكومة التركية في أنقرة التي تخشى من احتمال أن يشجع سقوط سوريا واحتمال سقوط العراق أيضا الأكراد على حدودها للانفصال.
وتعتبر تركيا جزءا من التحالف وقد أعطت الأمريكيين مؤخرا ضوءا أخضر لاستخدام قواعدها في إنغرليك لشن عمليات ضد تنظيم داعش.
كما انضمت تركيا إلى الحملة الجوية، لكن ضرباتها لم تكن جميعها ضد أهداف تابعة لتنظيم داعش، لكن ضد مقاتلين أكراد حلفاء من حيث الهدف للتحالف ضد تنظيم الدول الإسلامية.
هذا هو وضع الحروب الثلاثة التي ذكرناها بالفعل، بين التحالف وتنظيم داعش وجهود العرب في دول الخليج لاحتواء إيران، والحرب الأهلية السورية، ويمكن إضافة حرب رابعة، وهي بين تركيا وبعض الأكراد على الأقل.
بالطبع تتأثر "حرب" خامسة بين إسرائيل والفلسطينيين بصعود تنظيم داعش.
فانهيار سوريا كقوة عسكرية في المنطقة يمثل نعمة ونقمة بالنسبة لإسرائيل.
فالجماعات التي تستلهم نفوذ تنظيم داعش تنشط على حدودها الشمالية وفي شبه جزيرة سيناء في مصر. لكن صعود تنظيم داعش (والقلق المشترك بشأن إيران) جعل إسرائيل وما يطلق عليه الدول العربية المعتدلة أكثر تقاربا.
والمظهر الأكثر وضوحا يكمن في تنامي الروابط العسكرية بين إسرائيل والأردن. فإسرائيل باعت أو نقلت مروحيات هجومية وطائرات بلا طيار إلى عمّان خلال الأسابيع الماضية.
وهناك تقارير تشير إلى أنه عندما شاركت طائرات حربية إسرائيلية وأردنية في التدريبات العسكرية متعددة الجنسيات مؤخرا بقيادة الولايات المتحدة، كانت طائرة تزود بالوقود إسرائيلية ترافق طائرات أردنية من طراز إف 16.
وفي الوقت الذي تنصب فيه جهود المحللين على الانهيار المحتمل لدولتين قائمتين، هما سوريا والعراق، تبرز القوى المحركة الحقيقية في السياسة الإقليمية كرد فعل لصعود محتمل لدولتين جديدتين، هما دولة الخلافة لتنظيم داعش من ناحية، والصعود المحتمل لدولة كردية جديدة.
فزوال نظام قديم ليس هو المحرك لتشكيل تحالفات عير عادية فسحب، بل صدمة ظهور (نظام) جديد.