شفق نيوز/ حملت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، التي جرت في 12 أيار/مايو الجاري، مفاجآت مدوية كفيلة بتغيير الخارطة السياسية التقليدية، التي كانت تتشابه في الانتخابات التي أعقبت إسقاط نظام صدام حسين (1979-2003).
فقد تقدم رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، على حساب زعماء شيعة تقليديين، مثل نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق (2006- 2014) وشريكه في حزب الدعوة، رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، وهو صعود فاجأ المراقبين المحليين والدوليين.
إلا أن تصدر قائمة "النصر"، التي تضم في الغالب قوى شيعية بزعامة العبادي في محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل كان كالكابوس بالنسبة للقوى السياسية السُنية التقليدية، حيث خسروا مركز ثقل السُنة في العراق، للمرة الأولى منذ 2003.
والموصل هي ثاني أكبر مدن العراق سكانا خلف بغداد، وكان يقطنها نحو 2.5 مليون نسمة، قبل اجتياح تنظيم الدولة للمدينة، صيف 2014، ما اضطر سكانها للعيش في ما يشبه الجحيم، تحت حكم التنظيم، على مدى ثلاث سنوات.
"صفعة سياسية"
وتشير نتائج الانتخابات بأن تصويت سكان الموصل كان بمثابة عقاب للساسة السُنة، الذين صوّت لهم الناخبون على مدى الدورات الانتخابية الماضية.
وقال الخبير السياسي، عبد المجيد الراوي، إن "نتائج الانتخابات وجهت صفعة قوية إلى الكثير من الأحزاب السياسية، سواء أكانت شيعية أو سنية".
وأضاف أن "تصدر العبادي نتائج الانتخابات في نينوى يحمل دلالات عدة تتعلق بالناخب وتفكيره والظروف التي أقنعته بالتصويت لمرشح يخالف مذهبه الديني وتوجهه الفكري وتطلعاته المستقبلية وعدم التصويت لشخص من أبناء جلدته".
واعتبر الراوي، وهو من سكان الموصل، أن "نينوى خير مثال على ما حدث من تغيير جذري في الخارطة السياسية للعراق بعد 2003، فهذه المحافظة، وعاصمتها الموصل، تمثل الثقل السُني العربي في البلاد".
وأردف أن "ما تعرض له المواطن في هذه المحافظة بالتحديد من تهجير وقتل وتدمير ألقى بظلاله على رأيه في مجال السياسية، فاليوم كل مواطن بهذه المحافظة المنكوبة يعتبر أن السياسي من أبناء جلدته هو سبب هذا الدمار، جراء سياساتهم الخاطئة وعدم الاهتمام بنكبتهم طيلة الفترة الماضية".
ومضى قائلا إن "اختيار سكان الموصل قائمة بعيدة عن توجههم المعتاد يمثل أيضا محاولة منهم لمعاقبة أبناء جلدتهم، واعتقادهم بأن الشخصيات الأخرى قادرة على حل الأمور برؤية جديدة وموضوعية، بعيدا عن المشاحنات والمهاترات التي لم تجلب سوى الويلات والدمار".
"العبادي وبارزاني"
في الموصل حلت قائمة العبادي أولا بـ164 ألفا و714 صوتا، تلاه الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، بـ134 ألفا و782 صوتا، وبعدهما ائتلاف "الوطنية"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي (شيعي ليبرالي) بـ97 ألفا و59 صوتا.
وحل تحالف "نينوى هويتنا" السُني رابعا بـ78 ألفا و793 صوتا، ثم تحالف "الفتح"، الذي يضم أذرعا سياسية للحشد الشعبي، بزعامة هادي العامري، بـ73 ألفا و253 صوتا، وبعده تحالف "القرار العراقي"، (سني) بزعامة نائب رئيس الجمهورية، أسامة النجيفي، بـ65 ألفا و76 صوتا، وذلك بعد أن كان الأخير والقوى المتحالفة معه تتصدر المشهد الانتخابي بالموصل، في السنوات السابقة.
ويبلغ عدد مقاعد نينوى 34، حصلت الائتلافات ذات السيطرة الشيعية منها في الانتخابات الحالية على 10 مقاعد بينها 7 لائتلاف العبادي، وذلك مقابل 8 للائتلافات ذات السيطرة السنية، وبقية المقاعد ذهبت لائتلافات أخرى، فيما كانت الائتلافات السنية هي التي تتصدر الانتخابات السابقة بالمحافظة بواقع 20 مقعدا، بينما حصلت الائتلافات ذات السيطرة الشيعية على 3 مقاعد فقط آنذاك، والبقية لائتلافات أخرى.
ورأى الراوي أن "العبادي وبارزاني أقنعا سكان نينوى بالتصويت لهما من خلال الخطاب السياسي المعتدل".
وكانت التقديرات تصب في صالح تصدر العبادي الانتخابات على مستوى العراق، لدوره البارز في قيادة البلد العربي لهزيمة "داعش" في المناطق التي يشكل السُنة غالبيتها في شمالي وغربي البلاد.
كما يُنظر إلى العبادي كشخصية معتدلة أقل استقطابا للطائفية من سلفه المالكي، المتهم بإبعاد الكثير من السُنة والأكراد عن السلطة، لصالح شخصيات شيعية مقربة منه ومن حليفته إيران.
بعيدا عن الطائفية
الصحفية العراقية، سعادة الصابونجي، من سكان الموصل، كانت إحدى المصوتين لصالح قائمة العبادي في الانتخابات البرلمانية.
وقالت سعادة للأناضول إن "تمرد الُسنة على قرارات بغداد لم يجلب للموصل سوى قطع الموازنة المالية، وإهمال المشاريع الخدمية والصحية والتعليمية، وانهيار الوضع الأمني بشكل تام، ومن ثم جلب تنظيم الدولة وما أقدم على فعله من جرائم مروعة، والحرب عليه وتدمير المدينة بنحو شبه تام".
ورأت أن "الموصل بحاجة الآن إلى سياسيين يكونون على مقربة جدا وتفاهم عالٍ مع بغداد، مركز صنع القرار، والابتعاد كل البعد عن السياسيين الذين يحاولون التصعيد والمقاطعة".
ويبدو أنها تلمح إلى قائمة "بيارق الخير"، بزعامة وزير الدفاع السابق، خالد العبيدي، الذي خاض الانتخابات ضمن قائمة العبادي.
وتشير تقديرات إلى أن الأصوات الكثيرة التي حصل عليها العبيدي هي التي مكنت قائمة العبادي من تصدر النتائج في نينوى.
وتفيد النتائج بأن العبيدي حصل على أصوات تخوله شغل 8 مقاعد برلمانية من أصل 31 مقعدا مخصصا للمحافظة.
وأثار العبيدي جدلا واسعا خلال جلسة استجوابه في البرلمان، في آب/أغسطس 2016، على خلفية تهم تتعلق بالفساد.
وخلال الجلسة اتهم العبيدي سياسيين سُنة بارزين بالابتزاز والفساد، وعلى رأسهم رئيس البرلمان، سليم الجبوري، إلا أن البرلمان صوت في النهاية لصالح إقالة العبيدي من منصبه.
وأثارت إقالته ضجة كبيرة، نظرا لحدوثها في ذروة المعارك ضد تنظيم الدولة، إضافة إلى السمعة الجيدة للعبيدي داخل الأوساط الشعبية والعسكرية.
وقالت سعادة إن "ما شهدته نينوى من أهوال جعل الشارع على يقين بأنه يجب اختيار أشخاص يكون برنامجهم الانتخابي خالٍ من الدعوات الطائفية، التي تجعل الطرف الأقوى متسلطا ومتحكما بطريقة بشعة عند الوصول إلى السلطة".
الحكومة المقبلة
وتنتظر الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة المقبلة، إذ تعكس الحكومات العراقية عادة المكونات الرئيسية في البلاد، وهي الشيعة والسُنة والكورد.
وستكون الحكومة المقبلة أمام مهام صعبة ومعقدة، منها إعادة إعمار ما دمرته الحرب مع تنظيم الدولة على مدى ثلاث سنوات، وإعادة لحمة النسيج الاجتماعي في البلد، الذي يعاني من انقسامات طائفية وقومية منذ عقود.
واعتبر الخبير السياسي في شؤون القوى الشيعية، عبد الحسن الخالدي، أن "نجاح قائمة يقودها الشيعة لا يعني بالضرورة أنها ناجحة".
وقال الخالدي، وهو من سكان نينوى، إن "نجاح السياسيين الشيعة في بيئة غير بيئتهم يعود إلى تطلعات سكان تلك المناطق لانتشالهم من نكبتهم، بعد أن يئسوا من الوجوه السياسية التي مثلتهم على مدار أعوام".
وتابع أن "هذا يعني أن السياسيين الشيعة ليسوا على مستوى من النجاح والعمل والإبداع، فلو كانوا كذلك لنجحوا في مناطقهم"، في إشارة إلى العبادي.
ورأى الخالدي أن الأحزاب الفائزة بالانتخابات لن تقدم للمواطن العراقي أفضل مما قدمته في السنوات السابقة، ما لم تتفق على نبذ مصالحها، والعمل بما يخدم المرحلة القادمة".
وبشكل عام، تصدر تحالف "سائرون" المدعوم من الصدر النتائج النهائية للانتخابات في سائر البلاد، بحصوله على 54 مقعدا (من إجمالي 329)، يليه تحالف "الفتح" (الحشد الشعبي أبرز مكوناته) بزعامة هادي العامري بـ47 مقعدا، ومن ثم ائتلاف "النصر" بزعامة العبادي بـ42 مقعدا.
وحصل ائتلاف "دولة القانون" بزعامة المالكي على 26 مقعدا، والحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة البارزاني على 25 مقعدا، وائتلاف "الوطنية" بزعامة علاوي على 21 مقعدا.
كما حصل تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم على 19 مقعدا، وحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني على 18 مقعدا، وتحالف "القرار العراقي" بزعامة أسامة النجيفي على 14 مقعدا، فيما حصلت ائتلافات أخرى على مقاعد أقل.