شفق نيوز/ يبدو أن كل شيء يخص مصففي الشعر وتسريحات الشعر العراقية التي تتسم بالأناقة، هي موضع خلاف مع المسلحين المتشددين الذين اجتاحوا بلداتهم.
داعش يضيّق على السكان
وتشتهر هذه المجموعة من مصففي الشعر في بغداد، بمهارتهم في أداء عملهم، ليبدوا مظهر زبائنهم بعد الانتهاء غاية في الأناقة، وهو الأمر الذي سعى تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) للقضاء عليه بوحشية.
وفضلاً عن إجادتهم لتسريحات الشعر الصارخة، يدخنون جميع أنواع السجائر، وأيضاً يسبّون كما لو كانوا مجموعة بحارة؛ لذا فهم يرتكبون جميع أنواع الخطايا التي يجرمها التنظيم.
وقد تحملوا قدراً كبيراً من المعاناة، بسبب الاتجاه المتزمت الذي تتبعه تلك العناصر التي اقتحمت مدن إقامتهم، وقتلت أفراد عائلتهم وأصدقاءهم.
أما هنا، وسط بغداد، حيث وجدوا العمل، فقد كونوا مجموعة أنيقة من الأخوة المُعادين لتنظيم “داعش”
وقال أركان إسماعيل (21 عاماً)، وهو أحد مصففي الشعر “داعش هم أعداؤنا، وهم أعداء العراق. لقد حاولوا قتل عشيرتي كلها”. وتذكر إسماعيل ذلك الماضي القريب حين كان يمسك بالمشط ويمارس حرفته في تصفيف الشعر بدقة في صالون الحلاقة الخاص به، والذي بدا أنه يتميز به عن باقي زملائه.
فرّ إسماعيل من منزله في مدينة هيت، بعد أن استولى عليها تنظيم “داعش” منذ عامين، وقاومت عشيرته التي تُسمى البو نمر، الارهابيين، ودفعت الثمن غالياً مقابل ذلك. حيث ذبح التنظيم المئات، وألقى عشرات الجثث في مقبرة جماعية قريبة من مدينة هيت في محافظة الأنبار غرب العراق.
وتحدث إسماعيل كيف قتل التنظيم أحد أعمامه وأطفاله الثلاثة في وضح النهار.
وأضاف إسماعيل “كنت سأُقتل إذا بقيت هناك”، وأخذ يلعن التنظيم خلال وصفه لكيفية هروبه هو وعائلته إلى مكان آمن. حررت القوات العراقية مدينة هيت، ولكن لا يزال ثمة خطورة من عودته إليها، حيث قال إن أحد أبناء عمومته وصديق له قُتلا أثناء انفجار سيارة مفخخة. وقد أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجوم.
وتسببت تلك الهجمات التي ينفذها المسلحون والهجمات المضادة للحكومة في هروب ملايين العراقيين، بمن فيهم أربعة من الحلاقين الخمسة الموجودين في صالون الحلاقة.
وقد عبّر مالك صالون الحلاقة عن فخره بتوظيف أهل بلده النازحين. حيث قال إنها في الحقيقة سياسة مقصودة منه. وقال -رافضاً الإفصاح عن اسمه – لدواع أمنية “إن تلك هي الطريقة التي أساعدهم وأساعد بلدي بها”.
سنة وشيعة بذات المكان
ويضم صالون الحلاقة، الذي بدأ منذ عامين، حلاقين ينتمون إلى كلتا الطائفتين السنّية والشيعية، وهما أكبر طائفتين في العراق، والتي تسبب الخلاف بينهما في انقسام البلاد. ومع هذا، فإن الضجيج الذي يسيطر على صالون الحلاقة بعيد تماماً عن الحدة الطائفية.
ويصر المالك على أن الطائفية- سواء المرتبطة بالجماعات السنية أو الشيعية المسلحة- ليس لها مكان في عمله. وذلك في محاولة للتذكير بالعهد الذي يعتقد كثيرٌ من العراقيين أنه قد مضى بعيداً، حينما لم يكن لديهم أي مشكلة في العمل بجوار بعضهم البعض، أو حتى الزواج من أبناء الديانات الأخرى.
وعندما سُئل صاحب صالون الحلاقة عن ديانته، قال “أنا من العراق”.
أما الموظفون الذين يعملون معه فهم مهتمون بالحديث عن أحدث تسريحات الشعر، أكثر من الحديث عن الخلافات الطائفية التي تسببت في مرارة الانقسام الحاصل بين العراقيين. مصففو الشعر يرسمون الوشوم
وشرح محمد سلطان (29 عاماً)، الطريقة المثالية لأداء تسريحة شعر ولحية مثالية، حيث تصفح الصور بهاتفه المحمول، متباهياً بأعمال مصففي الشعر الذين يعملون معه، بما في ذلك أشكال اللحى الأنيقة التي يسمونها “الوشم”.
كما تضمنت الصور أساليب من إزالة شعر الوجه، لتبرز أشكالاً مشابهة بشكل ملفت لـ “فانيلا آيس” و”مستر تي”.
يقول سلطان “إن ما يحدد مهارتك في تصفيف الشعر، هو امتلاكك ليدين ماهرتين”. وقد فرّ سلطان من الموصل، التي تقع شمال العراق، بعد أن استولى تنظيم “داعش” عليها في يونيو. وقال سلطان إن التنظيم ألقى القبض على أخيه بعد الهجوم على المدينة بفترة قليلة، ولا يزال أخوه مفقوداً من وقتها ويُعتقد أنه قد مات.
الزوار يحبون صالون الحلاقة
ولا يبدو صالون الحلاقة مبهرجاً بشكل مميز، فالكراسي وجميع أدوات الحلاقة الأخرى تبدو قديمة للغاية. بيد أن عشرات الزبائن يزورون المكان كل يوم، وكثير منهم من الشباب الذين يبحثون عن تسريحات الشعر الجديدة، مثل السبايكي.
ووصف الحلاقون أحد زملائهم، واسمه أسامة نوري، بأنه موهوب بحق.
وقد هرب نوري (27 عاماً) من مدينة الفلّوجة مع عائلته في عام 2008، بعد أن عانوا من التمرد الدموي الذي تبنته جماعات مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة ضد القوات الأميركية المحتلة.
حيث وصف كيف قررت عائلته أن الوقت قد حان للرحيل، بعد أن اغتال المسلحون، الذين كونوا فيما بعد تنظيم “داعش”، أحد أعمامه لانضمامه إلى قوات الشرطة.
وتجنب الحلاق الموهوب الحديث عن الصدمات التي عاشها عندما كان صغيراً، لكنه كان متحمساً لإظهار الوشم الكبير الموجود على ساعده الأيسر.
وعندما سئل عما يعنيه هذا الوشم، رد بينما كانت خلّة الأسنان تتدلى من بين شفتيه، وقال “لا أعلم، فقد كنت سكران عندما حصلت عليه”.
ويرى نوري أنه ربما لن يعود أبداً للفلّوجة مرة أخرى. فالمدينة تعاني من التدمير نتيجة القتال المستمر ضد تنظيم “داعش”.
وبدلاً من ذلك، بدا غير متأكد من أي شيء حول المستقبل مثل باقي العراقيين. لكنه على الأقل يمتلك مجموعة من الأخوة من مصففي الشعر. حيث قال “لقد عانينا جميعاً. ونحن جميعاً ندعم بعضنا البعض”.
هافغنتون بوست