شفق نيوز/ كشف قضاة متخصصون بقضايا غسل الأموال أن ملايين الدولارات تم تهريبها خارج البلاد بواسطة تجار وصيارفة وهميين وشركات تحويل مالي.
ويعرّف إياد محسن ضمد قاضي تحقيق غسل الاموال هذه الجريمة بأنها "إضفاء الصفة الشرعية على اموال مصدرها غير مشروع، بشكل يجعلها تبدو في صورة مشروعة باستخدام اساليب عدة".
وتابع ضمد في حديث مع صحيفة "القضاء"، أن "من هذه الاساليب القيام بعمليات استيراد وهمية وتحويل الدولار الى الخارج والاستعانة بأشخاص آخرين".
وزاد أن "ذلك يكون من خلال فتح حسابات صغيرة بأسمائهم وتوزيع هذه المبالغ على حساباتهم من اجل تجزئة المبالغ وجعلها تبدو صغيرة ومن ثم تجميعها في حساب آخر واجراء مختلف التعاملات من خلالها او تحويلها الى خارج البلاد، دون ان يكون لهذه التحويلات أغراض تجارية مشروعة". وافاد ضمد بان "البنك المركزي يبيع الدولار لتحقيق غرضين أساسيين، الاول لشركات الصرافة بحصة أسبوعية على ان تقوم هذه الشركات ببيعها الى من يروم السفر للعلاج او السياحة بأقل من سعر السوق"، مستدركاً أن "بعض الشركات تبيع الدولار بالسوق السوداء وتقدم نسخاً لتذاكر سفر وجوازات مزيفة".
واضاف أن "الغرض الثاني هو لأغراض استيراد القطاع الخاص من خلال مزاد العملة"، مبيناً أن "الصورة الاكثر تكراراً لغسل الاموال في العراق تحدث من خلال مزاد بيع العملة في البنك المركزي وذلك بقيام مرتكبي جرائم الاختلاس والرشوة وتقاضي العمولات بايداع اموالهم في حسابات لدى المصارف الاهلية".
ولفت إلى أن "اتفاقاً يحصل مع أشخاص يمثلون واجهات لهم وتسجيل شركات تجارة عامة بأسمائهم ومن ثم يقدمون طلبات للدخول للمزاد بيع الدولار بحجة تغطية احتياجات القطاع الخاص الاستيرادية وتحويل ملايين الدولارات الى حسابات مالية في الخارج دون ادخال بضاعة مقابلها وعندها تكون تعاملاتهم مشبوهة بلا اغراض تجارية او قانونية".
وأفاد بأن "الآليات التي وضعها البنك المركزي لبيع الدولار من خلال مزاد العملة تكون بفتح التاجر لحساب في المصرف الاهلي لكي يحصل على ما يحتاجه من البنك المركزي بعد تقديم طلب لشراء العملة معززا بقوائم شراء بضاعة وبراءة ذمة من الضريبة واجازة استيراد من المعارض العراقية".
وأوضح ضمد أن "عملية شراء الدولار تكون بين المصرف الأهلي والبنك المركزي لغرض تغطية ما يطلبه الزبون". وبيّن ضمد أن "التزامات قانونية فرضها البنك المركزي على المصارف الاهلية بموجب القانون وفق مبدأ اعرف زبونك حيث يقع على عاتق تلك المصارف التحقق ممن يتعامل معه وضرورة معرفة هل ان الزبون أي التاجر يستطيع أن يجري مثل عملية الاستيراد هذه ويمتلك المال ام انه واجهة لتغطية مصادر اموال يملكها مجرمون".
ويضيف ضمد ان "الوقائع تشير إلى أن التاجر يقدم مستندات ووثائق مزوّرة وقوائم وتصاريح وهمية عن طريق المصارف الاهلية لتحقق طلب شراء العملة ويحولها إلى الخارج".
وتابع أن "الواقعة يتم كشفها بعد مرور المدة المحددة بثلاثة اشهر وهي المدة التي تفرض على العميل بعدها تقديم تصاريح تفيد بأن البضاعة قد دخلت إلى العراق، وهناك يقوم البنك المركزي بمفاتحة دائرة الكمارك وحينها يتم كشف التزوير وتجري المحكمة تحقيقاتها".
ويعود ضمد إلى مبدأ اعرف زبونك، بالقول "على المصرف التحقق من قدرة عميله على تسديد ما بذمته، وفي حال تبين له عدم المقدرة عليه إبلاغ البنك المركزي خلال 15 يومياً بان هناك تعاملا مشبوهاً". وفيما نفى "تسجيل أي حالة من هذا النوع ضد أي زبون"، رأى أن "المصارف الأهلية أصبحت ممّراً سهلاً لعمليات غسل الاموال".
وزاد "بموجب الوقائع المعروضة فأن البنك المركزي لطالما يلقي باللائمة الكاملة على المصارف الاهلية وهذا غير صحيح؛ لان الاخيرة ليست جهة حكومية وأن العقوبات التي تطولها إدارية فقط".
وشدّد على أن "عمليات الرقابة وتدقيق شراء العملة تكون لاحقة وبعد ضياع المبالغ المسحوبة"، داعياً إلى أن "تجرى التدقيقات قبل عملية الصرف".
وطالب ضمد بـ"وضع آليات لتدقيق صحة الفواتير والتأكد من حساب الزبون وحقيقة المبالغ المطلوبة هل أنها لتغطية استيرادات القطاع الخاص أم لأسباب أخرى".
وأورد أن "الجريمة يتحملها التاجر وكل الأشخاص الذين أسهموا بتغذية حسابه والمصرف الذي لم ينفذ التزاماته حسب قانون غسل الاموال".
ووفقا لقاضي غسل الاموال فأن "عقوبة المسؤولين عن المصرف المتسبب بهذا النوع من الجرائم تكون جنحة وهي عقوبة التاجر ذاتها إلا أنها قد تصل بحقه إلى السجن المؤبد اذا ثبت أن المبالغ خصصت لدعم العمليات الارهابية".
واستطرد أن "البنك المركزي غالبا ما يفرض غرامات مالية على المصارف التي لا يلتزم زبائنها بتعليمات مزاد بيع العملة"، مبيناً أن "المخالف عليه دفع فرق السعر بين قيمة الدولار في الاسواق وما اشتراه من البنك المركزي".
واكمل بالقول إن "للمحكمة اكثر من باب في استقبال البلاغات عن هذه الجرائم من بينها مكتب الابلاغ عن غسل الاموال، إضافة إلى مديرية مراقبة على الصيرفة والائتمان في البنك المركزي من خلال ما تجريه لجانها التدقيقية والتفتيشية، كما أن المحكمة تتلقى احياناً بلاغات من مخبرين عاديين".
وأكمل بالقول إن "محكمة تحقيق غسل الاموال انجزت عشرات القضايا واحالت مرتكبي جرائم غسل الاموال الى محاكم الجنح والجنايات".
من جانبه يقول قاضي جنح النزاهة وغسل الاموال راضي الفرطوسي في تصريح إلى "القضاء"، أن "محاكمنا تتعامل بجدية كبيرة مع هذا النوع من القضايا وحسم العديد منها".
وتابع الفرطوسي أن "تأخير حسم بعض الدعوى يكون لأسباب لا تتعلق بالقضاء من بينها عدم انجاز التحقيق الاداري من الجهات ذات العلاقة".
وانتقد "عدم تحديد الجهات المعنية للمبالغ المشتراة من قبل المصارف الاهلية عند اجراء التحقيق الاداري وكذلك مقدار الضرّر المتحقق نتيجة عمليات غسل الاموال".
كما شكا الفرطوسي عدم "تدقيق تلك الجهات التصاريح والفواتير المقدمة من قبل المصارف والزبائن قبل اشتراكهم في مزاد العملة الاجنبية".
ومن القضايا الغريبة المعروضة أمام القضاء، افاد الفرطوسي بأن "شاباً لم يتجاوز 25 عاماً قامت بتغذية حسابه بمبلغ 10 ملايين دولار ورغم أنه يعمل سائق اجرة وبعد التحقق معه تبين أنه واجهة استخدمته احدى الجهات لغرض غسل هذه المبالغ وتحويلها خارج العراق".