شفق نيوز/ "سيأتي على الناس زمان، يقعد فيه الرجالة في البيت، ويقرفونا إحنا بقى." تقول حنان الكوافيرة. ولكن حنان ليست المرأة العربية الوحيدة التي تكره وجود الرجال في المنزل. سبقتها جدّاتنا، وجدّات جدّاتهن، وتركنّ لنا تراثًا من الأمثال الشعبية عبّرن فيها عن عواقب وجود الرجال بالمنزل. كما لو أنهن تنبأن بأزمة عالمية يقوم الرجال فيها بهجرة جماعية من الشوارع إلى المنازل.
إنها الكورونا. أجبرتنا جميعًا على المكوث في المنزل، وجوهنا في وجه بعضنا ولا مفر من المشاحنات والمضايقات. فبعد أن رضينا بتقسيمة جندرية تقول إن النساء مكانهن المنزل، واعتدنا التعامل معها وأصبحت البيوت امتدادًا لكياناتنا، جاءت الكورونا هادمة لكل ذلك. أمست بيوتنا ساحات حرب ياجدتي، بيننا وبين أخواننا وأزواجنا وآبائنا. جميعهم الآن في المنزل معنا، والانفجار واقف على "تكّة."
يُزاحموننا في "مساحاتنا" يعلقون على مسحوق الغسيل، يقيمون في الثلاجة لترتيب محتوياتها، يسألون عمّا إن كنا سلقنا اللحم جيدًا، ويطلبون مشروبات ساخنة وباردة كما لو أنهم مقيمون في فندق سبع نجوم. آة ياجدتي، تغّير الحال، ولا وقتٍ للراحة من التعليقات والأسئلة والتدخلات، وطلبات الأكل.
جنازة وتار ولا قعدة الراجل في الدار
جاء هذا المثل الشعبي كمنشور على إحدى المجموعات النسائية المغلقة على موقع فيسبوك. سبقه على صفحات فيسبوك وتويتر، سيل من الكوميكس والميمز تسخر من وجود الرجال في البيوت مؤخرًا. لم تذكر كاتبة هذا المنشور أي شيء، فقط هذا المثل الشعبي، لتنهال عليها تعليقات النساء كأنهن يعرفنّ ماذا تقصد. بين متزوجات وغير متزوجات، روت العضوات، ما يفعله الرجال في المنزل بعد انتشار وباء كورونا وتطبيق إجراءات الحجر الصحي، وحظر التجول في عدد من المدن العربية:
- أنا والله حاسة أن الكورونا ده حتجيب أجل الستات بدري...ممكن يكون هو المخطط كده.. أصل مش ممكن يكون صدفة إن العيال تقعد من المدرسة وأبوهم من الشغل والتمارين تقفل والحظر يحصل.
- أنتي واقفة في المطبخ كتير ليه تعالي اقعدي معانا. بعدها بشوية أنا جعان. غلبت اشرح له أن عشان الأكل يتعمل، لازم ابقي في المطبخ وهو لازم يقعد بولاده. وكل يوم المعلومة تفجأه.
- جوزي سألني: جايبه ايد الحنفية يمين ليه وانا سيبهالك شمال؟ أنا مش فاهم ليه بتعملي كده؟! الصراحة معرفتش أرد. ده مطبخي وحنفية مطبخي، وأنا بغسل المواعين في مطبخي.
- عد فصوص الثوم بتاعة الملوخية وقالي كتير خمسة فصوص.
- انتي ليه مش بتعملي ميه بكلور كل شوية ليه في الارضيات؟ (ملحوظة كنت لسه معقمة الدنيا وعندي إبن عمره 3 شهر).
- بابا امبارح قرر أن حواجبي رفيعة، ولازم اتخنها، أنا عندي 29 سنة.
- صحيت النهاردة عندي ضيق تنفس عشان زوجي ماشي يرش فنيك وكلور في البيت. حاليًا أنا والولاد والناني في الجنينة. سايبينه يموت مخنوق في البيت لوحده.
- امبارح مسك الواد الصغير حلق له شعره.
- أبويا فجأة بقى له رأي في طبيخ مامتي بعد 30 سنة جواز وطبخ بنفس الطريقة.
مئات التعليقات تذكر جميعها أن الرجال في المنزل يمثلون أزمة كبرى في ظل هذه الإجراءات. فبعد أن كان الرجال مشغولون بالعمل، أو بقضاء فترات خارج المنزل أكثر من النساء، أصبحوا لا يبرحون المنزل إلا للضرورات القصوى. اعتاد الرجال على ذلك، واعتدنا نحن كنساء أيضًا. فبسبب الأعباء المنزلية والعادات، تخرج النساء من المنازل بنسبة أقل من الرجال، حتى لو للعمل. هناك استثناءات بالطبع، ففي حالة النساء المعيلات، تقضي النساء فترات أطول خارج المنزل، ويبقى ما في داخله مسؤوليتهن لا يتغيّر.
الآن، الجميع عالق في المنزل، وتتزايد مسؤوليات النساء، ويكنّ مطالبات بتلبية رغبات الرجال أيضًا. ياحلاوة! لا شك أن البقاء في المنزل يسبب ضغطًا عصبيًا علينا جميعًا، بالإضافة إلى الضغط العام بسبب انتشار الوباء. لكن أن تستخدم وجودك كرجل داخل المنزل للتفريغ عن هذا الضغط، فهذا ضغط إضافي.
أغلب تفسيرات عبارة "قهر الرجال" تُشير إلى أن أكثر أنواع القهر، هو قهر يتعرض له رجل. لكن إن سمح لنا المُفسرين، لديّ تفسير آخر. لماذا لا نقول أن "قهر الرجال" هو القهر الذي يمارسه الرجال؟ لماذا لا نقول أن قهر الرجال كان مضربًا للأمثال كأكثر أنواع القهر شدّة؟ جرّت العادة أن الرجال لهم شأن أعظم من النساء- معلش. ولذلك، فإن تعرضهم للقهر يستدعي بالضرورة تضامنًا وتعاطفًا، وتحملًا- لو كنتِ امرأة. هذه الفكرة متجذرة في ثقافتنا العربية وثقافات أخرى، ومبنية على وضع الرجال وامتيازاتهم الاجتماعية. بمعنى أن خضوع رجال لأمرٍ خارج عن إرادتهم، يتطلب تضامن معهم من منطلق: "ارحموا عزيز قومٍ ذل." يحدث تعارض هنا بين الامتياز الاجتماعي وبين فقدانه، فيسبب حالة من الذل. والذل غير مُطلق لأنه هو الآخر مبني اجتماعيًا على علاقات قوة قد تجعل المذلول ذالًا في نفس الوقت.
الرجال خلال أزمة الكورونا وتطبيق إجراءات العزل، فقدوا امتياز وجودهم خارج المنزل، وفقدوا امتياز شعورهم بالفوقية على نساء العائلة. هم الآن بحاجة لإعادة هيكلة علاقاتهم مع المحيط الاجتماعي والمادي
لكي نفسر ذلك، علينا وضع الثنائية الجندرية في اعتبارنا، فالرجال خلال أزمة الكورونا وتطبيق إجراءات العزل، فقدوا امتياز وجودهم خارج المنزل، وفقدوا امتياز شعورهم بالفوقية على نساء العائلة. هم الآن بحاجة لإعادة هيكلة علاقاتهم مع المحيط الاجتماعي والمادي. ما كان مقصورًا على النساء كالمنزل، وتم تصويره لقرون أنه ليس مكانًا للرجال، بل ويتم وصم الرجال الماكثين في المنازل: "أنت قاعد في البيت زي النسوان."
المنزل الذي طالما كان "عقابًا" لكون الشخص امرأة، مطلوب من الرجال الآن التعامل معه والتواجد فيه وهم يشعرون أنه ليس مكانهم "الطبيعي." يُنتج شكلًا من أشكال الإشراف على النساء داخل المنزل. كأن الرجل منهم يقول: أنا فقدت مساحتي (الشارع)، لكني سأثبت وجودي في مساحة أخرى- (المنزل). فيمارس دورًا إشرافيًا وسلطويًا داخل المنزل، إيمانًا أنه مكان النساء، وأن النساء أدنى من الرجال، وهو الآن مثلهنّ- أدنى تمامًا.
إن الذي يفقد امتياز، يبحث عن غيره. والرجال يعيشون على الامتيازات: خروجهم من المنزل يوميًا امتياز، عدم اكتراثهم للأعمال المنزلية امتياز، عدم مشاركتهم في تربية الأطفال امتياز. وهم الآن في مواجهة تلك الامتيازات، وفي محاولة للتعرّف عليها من بعيد وبنوع من السيطرة يعادلون به شعور دونية التواجد بالمنزل.
هوم سويت هوم
لكن أعزاءي الرجال هنا وهناك، هذه فرصة لإعادة اكتشاف قدراتكم في التعامل داخل المنزل، وفي مهارات التربية والاستمتاع بالأعمال المنزلية. تخيّلوا أنكم الآن في مرحلة تعلّم. أرجوكم أن تنحّوا جانبًا المدير الذي بداخلكم. إنها فرصة لتعرفوا ما هو مسموح وما هو غير مسموح. لديكم فرصة من ذهب، ليس للاسترخاء وليس لطلبات الكيك والبيتزا نصف الليلية، ولا للإشراف على المهام المنزلية، مثلاً بدل ما تعد 20 ثانية عشان تغسل ايدك بالصابون كل شوية، اغسل طبق أو كوباية؟ إنها فرصة لتكتشفوا جزء جديد من أنفسكم. أن تتعرفوا عليها في علاقتها بمن حولكم. أن تقوموا بتنفيذ مهام منزلية بدلاً من أن تطلبوها. هذه الفترة صعبة بما يكفي، فلا تكونوا عبء جديدًا.
غدير أحمد/vice