شفق نيوز/ عقد معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، منتدى سياسيا في الشأن العراقي، شارك فيه كل من، مايكل نايتس، حمدي مالك، وأيمن جواد التميمي، مؤلفو الدراسة الأخيرة "التكريم من دون الاحتواء: مستقبل الحشد الشعبي في العراق". ونايتس هو زميل أقدم في برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى. ومالك هو محلل شؤون الشرق الأوسط مقره في لندن، والتميمي، محلل مستقل ومرشح لنيل شهادة الدكتوراه من "جامعة سوانزي" في بريطانيا.
تحدث مايكل نايتس، بالقول، انه استمد عنوان التقرير "التكريم من دون الاحتواء" من محادثة مع مسؤول عراقي في بغداد، قال بأنه يجب "تكريم واحتواء" قوات الحشد الشعبي في البلاد. وحتى الآن، لم يتم تحقيق سوى الجزء الأول من هذه الصيغة. وأفضل طريقة لتحقيق الجزء الثاني هي من خلال الإصلاح التنموي لقطاع الأمن، مع الإقرار بأن احتواء الحشد الشعبي يُشكل على المدى القريب هدفاً أكثر عمليةً من تسريحه ونزع سلاحه وإعادة دمجه.
ويضيف، ان أحد أكبر التحديات التي يطرحها «الحشد الشعبي» هي القيادة والتحكم. فقد اعتادت هذه القوات تخطي صلاحياتها وتنفيذ العمليات من دون علم الحكومة. ويقول انه، في تشرين الأول 2019، تورّط قياديون بارزون ووحدات رئيسة من «الحشد الشعبي» في قتل كثير من المتظاهرين العراقيين واحتجازهم بصورة غير قانونية. وشنت بعض عناصر «الحشد» أيضاً هجمات بالطائرات المسيرة ضد دول مجاورة مثل السعودية واستهدفت بعثات أجنبية في داخل العراق، ولكنها نفت جميعها ضلوعها في أيٍّ من تلك العمليات.
وأدّت هذه الهجمات في النهاية إلى شن الضربة الأمريكية التي أودت بحياة قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني وقائد «قوات الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني.
ويردف نايتس، انه في وقت سابق من شهر أيار، قامت الحكومة الجديدة التي شكّلها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي باستعراض مبكر لعزمها عن طريق مداهمة مقر مجموعة مسلحة في البصرة كانت تستهدف المتظاهرين؛ وتعهّد الكاظمي أيضاً بإيجاد السجون الخاصة التي اعتُقل فيها بعض المتظاهرين والتحقيق في مقتل البعض الآخر، ويستدرك الكاتب: لكن يجدر بالمراقبين الخارجيين توقّع أن يكون مثل هذا التقدم تدريجياً، بما أنه لا يزال على الكاظمي مواجهة تجدد تنظيم "داعش" ووباء "كوفيد 19" والتعامل مع انهيار اقتصادي ساحق.
ويرى الكاتب، انه في النهاية، سيكون تسريح قوات الحشد الشعبي صعباً جداً نظراً لتواجدها العسكري والسياسي الكبير في العراق. ومع ذلك، هناك مجال للإصلاح، وسبق أن أظهر العراقيون إجماعاً كبيراً بشأن كثير من القضايا ذات الصلة.
ويتابع، أما خارطة الطريق للإصلاح فتتألف من ثلاث مراحل حاسمة. أولاً، يُعد إخضاع قيادات الحشد الشعبي للمساءلة ذا أهمية قصوى في تسهيل نجاح المؤسسة، وفي الوقت نفسه ضمان خضوعها لقيادة وتحكم السلطات الوطنية. ثانياً، إنّ الحشد الشعبي بحاجة إلى أدوار ومهام محددة، وهذا أمرٌ يمكن تحقيقه في إطار مراجعة للدفاع الوطني بالتعاون مع الجهات المانحة الأجنبية. والمرحلة الثالثة هي أبعد من ذلك: عملية إعادة انتشار تدريجية تعود فيها قوات المجاميع المسلحة من الميدان للخضوع لتدريب يحوّلها إلى قوة محترفة.
من جهته يرى، حمدي مالك، إن "ألوية العتبات" في العراق هي تنظيمات شبه عسكرية مرتبطة بالمقامات الشيعية، ما يسمى بـ "وحدات الأضرحة" الأربع "لواء أنصار المرجعية" و"لواء علي الأكبر" و"فرقة العباس القتالية" و"فرقة الإمام علي القتالية"، مبينا انه، لا علاقة لهذه الوحدات بـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني بل هي تابعة للمرجع الشيعي العراقي آية الله علي السيستاني الذي تعده مصدر تقليد لها.
ويبين، ان وحدات "العتبات" تضم بالإجمال نحو 18,000 جندي في الخدمة الفعلية وعشرات الآلاف في صفوف الاحتياط. وتُعد "فرقة العباس" الأكثر قدرة عسكرياً بين التنظيمات الأربعة، وتتمتع بإمكانيات هجومية يعززها التدريب اللوجستي وتعاونها في مجال الدعم الناري مع وزارة الدفاع العراقية.
وهناك عديد الخصائص التي تميّز "العتبات" عن الوحدات الموالية لإيران والخاضعة لهيمنة «الحرس الثوري» في داخل «الحشد الشعبي». أولاً، لا تعمل "العتبات" إلا مع المؤسسات الوطنية العراقية ويُحظر عليها الارتباط بقادة «الحرس الثوري» أو شخصيات عسكرية أجنبية أخرى. ثانياً، تبقى هذه الألوية خارج العملية السياسية، في حين ذهبت التنظيمات الموالية لإيران إلى حد تشكيل أحزاب سياسية خاصة بها. ثالثاً، لا تَعد وحدات "العتبات" بأن الولايات المتحدة عدوة لها.
ويوضح انه برغم من أنها أدانت الإجراءات الأمريكية من حين لآخر، على سبيل المثال، قصف موقع بناء في "مطار كربلاء الدولي" في آذار الماضي، إلّا أنها تتجنب بشكل عام التعبير عن مشاعر معادية للولايات المتحدة أو التصرف بناءً على تلك الآراء. رابعاً، لم يتم اتهام "العتبات" بانتهاك حقوق الإنسان. وفي الواقع، إنها غير مهتمة بالتواجد داخل المناطق العربية السنية التي وقعت فيها كثير من هذه الانتهاكات، في حين أن المناطق الرئيسة التي تهتم بها هي المدن الشيعية المقدسة، كربلاء والنجف والصحراء التي تربطها بالأنبار. ولم يتم اتهام العتبات بالابتزاز أيضاً، بخلاف الكثير من جماعات «الحشد الشعبي» التي تستعمل مثل هذه التكتيكات للحفاظ على تواجدها، وبالنتيجة تُفاقم المظالم بين السكان السنة.
ويردف مالك، في الواقع أن هذه الاختلافات تضع "العتبات" والمجاميع المسلحة الموالية لإيران على طرفَي نقيض. فحتى قبل مقتل المهندس في كانون الثاني، سعت "وحدات الأضرحة" (ألوية العتبات) إلى إقالته من قيادة «الحشد الشعبي»، وأظهرت بعد وفاته معارضة شديدة لخلفه الذي طُرح اسمه من قبل مجموعة «كتائب حزب الله» التي ينتمي إليها، التي حاولت تعيين القيادي الموالي لإيران أبو فدك رئيساً جديداً للعمليات في قوات الحشد الشعبي. وفي النهاية، انسحبت "العتبات" من هيئة الحشد الشعبي برمّتها وتعهدت بمساعدة الجماعات الأخرى على الانشقاق عنها.
ويضيف، ان انسحابها، تسبّب من بين عواقب أخرى، بالمساس بالشرعية الدينية التي تتمتع بها التنظيمات الموالية لإيران؛ إذ تشكّل "العتبات" سابقةً للمتطوعين شبه العسكريين الذين يعملون بموافقة آية الله السيستاني. وحين انشقّت عن «الحشد»، رأى كثيرون في ذلك أنها طريقة السيستاني للبدء بسحب تأييده لـ «قوات الحشد الشعبي». وردّاً على ذلك، التقى هادي العامري وأحمد الأسدي وشخصيات رفيعة أخرى من التنظيمات الموالية لإيران بممثلين عن السيستاني في كربلاء، في محاولةٍ لإقناع "العتبات" بالعودة إلى جناحها.
ويرى انه، على النطاق الأوسع، تشكل "وحدات الأضرحة" انموذجاً يمكن الاقتداء به لتحسين «الحشد الشعبي». وبصرف النظر عن معارضتها للهيمنة الإيرانية، أوجدت هذه "الوحدات" مساحة تستطيع فيها قوات المجاميع المسلحة والعراقيون الذين يشاركونها الفكر نفسه أن يعربوا عن فخرهم بدينهم وجنسيتهم من دون أن يتوجب عليهم كره الطوائف أو الجنسيات الأخرى.
اما، أيمن جواد التميمي، فيقول من جانبه ان عددا من فصائل «الحشد الشعبي»، ومنها التنظيمان الرئيسان «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» تملك هوية مزدوجة كجماعات "مقاومة" معادية للولايات المتحدة وكألوية مسجلة في المؤسسة العسكرية الرسمية العراقية، وانها في دورها الأول، لم تتوانَ عن شجب التواجد الأمريكي الذي تصفه بالاحتلال وتوجيه التهديدات. ومع ذلك، فإن دورها الثاني ككتائب رسمية تابعة لـ «الحشد الشعبي»، يجعل من الخطر عليها شن هجمات علنية ضد أهداف أمريكية. ومن ناحية علاقتها بإيران، فقد تبّنت أهدافاً معينة تتماشى مع مصالح طهران على سبيل المثال، الحفاظ على تواجد «قوات الحشد الشعبي» على الحدود مع سوريا، ولكنها لا تخضع لإدارة دقيقة من قبل «الحرس الثوري».
ويتابع، لقد ظلَّ موقف فصائل "المقاومة" هذه من دون تغيير إلى حد كبير منذ مقتل سليماني والمهندس. وخفّضت بعض الشخصيات الرفيعة من ظهورها العلني، وأبرزها قائد «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، الذي قلّل من حضوره الإعلامي خوفاً من استهدافه من قبل الولايات المتحدة، موضحا انه ومع ذلك، لا تزال التنظيمات تحرّض ضد الوجود الأمريكي وتصدر التهديدات، برغم أن دورها الأخير في الهجمات الفعلية لا يزال غير مؤكد. ويظهر أن بعض ألوية «الحشد» تعتقد أنها لا تستطيع استهداف الوجود الأمريكي بشكل مباشر لأنها جزء من مؤسسة حكومية عراقية. وتبنّت كيانات جديدة مختلفة الضربات التي وقعت هذا العام على سبيل المثال، "عصبة الثائرين"، ولكن من الصعب معرفة ما إذا كانت هذه عناصر منشقة حقيقية أم مجرد فصائل مقاومة تابعة لـ «الحشد» وتعمل تحت اسم مختلف للتمكن من إنكار دورها بشكل معقول.
فضلاً عن ذلك ـ يواصل التميمي ـ عارضت بعض فصائل المقاومة بشدة تعيين الكاظمي واتّهمته بالتواطؤ في مقتل سليماني والمهندس. وبعد أن أصبح الكاظمي رئيساً للوزراء، تحرّك ضد جماعة «ثأر الله» في البصرة بسبب ضلوعها في قتل المتظاهرين وإصابتهم. ومع ذلك، لا ينبغي تفسير هذا التحرك المنفرد على أنه خطوةً أوسع ضد «الحشد الشعبي» أو فصائل المقاومة. وأحد أسباب ذلك هو أن «ثأر الله» هي مجرد تنظيم صغير بالمقارنة مع «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق». فضلا عن ذلك، تفاخر «الحشد الشعبي» بزيارة الكاظمي الأخيرة إلى مقره، حتى أنه منحه بزّةً نظامية خاصة بـ «الحشد» لارتدائها. ويظهر من غير المحتمل أن يتمكّن رئيس الوزراء من إعطاء الأمر بمداهمة فصائل المقاومة الأكبر حجماً، أو اتخاذ إجراءات مماثلة ضدها، لأنه ملزم باحترام مؤسسة «الحشد الشعبي» بصفة عامة.