شفق نيوز/ في السنتين الماضيتين شهدت تركيا خمسا من أسوأ الهجمات الإرهابية في تاريخها، أسفرت عن مقتل 250 شخصاً على الأقل وجرح أكثر من 800 شخص، هذه الهجمات دفعت الدولة التركية الى رد فعل عنيف على حزب العمال الكوردستاني الذي تبنى اغلب تلك العمليات.
ومنذ انهيار محادثات السلام مع حكومة أنقرة الصيف قبل الماضي، وتشهد اللهجة المتبادلة بين المسؤولين الاتراك ونظرائهم من حزب العمال نسقا متصاعدا، ايقض مخاوف من حرب أهلية.
الا ان الرد التركي الذي يتصدى له الرئيس رجب طيب اردوغان والمنتشي باحباط محاولة انقلاب على حكومته، شهد في الفترة الاخيرة شل حركة المقاتلين الكورد على الجبهة العراقية والسورية الى حد كبير رافق ذلك الحد من نشاط حزب العمال PKK في الاراضي التركية.
اصل الحكاية
PKK حزب سياسي كوردي يساري التوجه. تحول بعد تأسيسه إلى أهم تنظيم سياسي يقود عملا مسلحا يحظى بتعاطف الكثير من كورد تركيا، عمالا ومثقفين وفلاحين.
تأسس حزب العمال الكوردستاني في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1978 بطريقة سرية على يد مجموعة من الطلاب الماركسيين غير المؤثرين في الساحة السياسية الكوردية، بينهم عبد الله أوجلان الذي اختير رئيسا للحزب، لكنّ عدد عناصر الحزب تجاوز في التسعينيات عشرة آلاف مقاتل.
يتبنى الحزب التوجه الماركسي اللينيني، ومن أهدافه الجوهرية التي أعلن عنها في البداية “إنشاء دولة كوردستان الكبرى المستقلة”.
ورغم توجهه اليساري فإنه لم يحصل -بحسب مصادره الخاصة- على تمويل من المنظومة الاشتراكية، بل اعتمد في تمويل عملياته وإعداد مقاتليه على مصادره الخاصة. وتتهمه الأوساط التركية بأن تمويله مشبوه وغير شرعي.
وهو مدرج على قائمة المنظمات “الإرهابية” في الولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي.
منذ عام 1984 بدأ الحزب نشاطه العسكري، واتخذ مقاتلوه من كوردستان العراق منطقة تحمي قواعدهم الخلفية.
وشهد عقدا الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أكثر فترات الصراع الدموي بين الكورد والجيش التركي الذي قام بتعقّب المسلحين، واتُّهم بتدمير آلاف القرى الكوردية وتهجير العديد من الأسر إلى تركيا. وتذهب بعض الإحصاءات إلى أن مجموع من قتلهم المسلحون الكورد يبلغ أربعين ألف شخص.
ولم تقتصر عمليات مسلحي حزب العمال العسكرية على الجيش التركي بل شملت مدنيين أتراكا وكوردا، خصوصا من المتعاونين مع الحكومة التركية، كما شملت بعض السائحين الأجانب. وقد وجهوا ضرباتهم لبعض المصالح التركية في البلدان الغربية.
وفي صيف 2012 تصاعد القتال بين الجانبين واعتقلت الحكومة التركية العديد من الناشطين الكورد، وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه جرت جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة التركية والحزب الكوردستاني.
وفي 2013 جرت مفاوضات جديدة بين أوجلان -في سجنه بجزيرة أميرالي في بحر مرمرة- وبين مسؤولين في الاستخبارات التركية. وفي مارس/آذار 2013 أعلن حزب العمال الكوردستاني رسميا وقفا لإطلاق النار مع تركيا، وذلك في أعقاب الدعوة التي وجهها عبد الله أوجلان لإنهاء النزاع المسلح الذي استمر عقودا.
فترة الود بين الطرفين لم تستمر طويلا حيث عادت المواجهات مجددا بين مسلحي حزب العمال الكوردستاني والجيش التركي، كما شهدت مدن تركية بين 2014 و2016 هجمات استهدفت مؤسسات ومناطق سياحية خلقت العشرات من الجرحى والقتلى.
وقد تبنى التنظيم مسؤولية بعض هذه الهجمات فيما حُمل مسؤولية بعضها الآخر.
وبعد فشل المحادثات، تصاعد الصراع ووقعت بعض أعنف الاشتباكات خلال 3 عقود.
التأثير الامريكي الاوربي
ولعب غض الطرف من قبل امريكا واوربا دافعا لتركيا لكسب مراحل من الصراع العسكري ضد مسلحي PKK مؤخرا، الامر الذي احدث تغييرات في التوازنات العسكرية.
ويؤكد ذلك الخبير الامني التركي هاكان يشار لشفق نيوز، الذي اضاف ان من الاسباب الرئيسة الاخرى هو ادخال انقرة اسلحة متطورة في الصراع المسلح على جبهة حزب العمال.
ويقول إن في المدة القليلة المنصرمة قتل الجيش التركي اكثر من 200 من مقاتلي حزب العمال، اغلبهم قادة عسكريين ومسؤولين الامر الذي ضرب البنية الاساسية للمقاتلين الكورد.
الجبهة التركية
وبعد سنوات الصراع والاقتتال تمكنت القوات التركية من التوغل بعمق مناطق سيطرة حزب العمال على الجبهات العراقية والسورية، وانتزاع مواقع داخل الاراضي التركية.
ويقول يشار، ان الكفة تميل بشكل جلي للجانب التركي وبخاصة داخل المناطق الكوردية التركية، مع تصاعد موجة الاعتقالات والاغتيالات لقادة الحراك لحزب العمال.
ويرى انه مع تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترمب، دفة البيت الابيض وتزايد حدة الضغط على الشطر الايراني سيدفع ذلك القيادة التركية الى تحجيم حزب العمال على الجبهات التي ينشط بيها.
هذا الحديث اكده الى حد بعيد وزير الخارجية التركي مؤخرا، ان بلاده تعمل على محو اثر حزب العمال.
الجبهة المدنية
ويبدو ان PKK ضيع فرصة تاريخية من بين يديه، بعد ان تمكن حزب الشعوب المؤيد له من التحصل على 18 مقعدا في البرلمان التركي، الا ان ذلك بدأ بشكل متناسق آخذ بالزوال مع اعتقال قادة الحزب والعديد من عناصره بحجة دعم المقاتلين الكورد المناؤين لانقرة.
وابلغ مصدر مقرب من مركز القرار في حزب العمال شفق نيوز، ان جميل بايك القيادي البارز في الحزب، تراسل مع الادارة الامريكية مؤخراً يطلب فيها مساندة واشنطن للشعب الكوردي.
ويضيف أن نقاشاً شديداً تشهده جبهة قنديل واوربا وكوردستان تركيا لـPKK مع بروز تيار قوي يطالب بالعودة الى الحراك المدني، الذي تمكن من خلاله الحزب حصد ثمار المقاعد الـ18 في البرلمان التركي.
ويقول ان اصل النقاش يتمحور بعد ما التمسته القيادة في حزب العمال من عدم تعاطي الشارع الكوردي في تركيا معها كما كان سابقا.
ورقة ضغط
وزادت تصريحات اردوغان الاخيرة الضغط في معسكر PKK والشارع الكوردي، بعد ان هدد ب”سلاح إسقاط الجنسية” في وجه “داعمي الإرهاب” في إشارة منه إلى مسلحي حزب العمال الكوردستاني، الذي تصنفه تركيا جماعة إرهابية.
وقال أردوغان، في خطاب أمام مجموعة من المحامين في العاصمة أنقرة إن على تركيا أن تدرس قرار سحب الجنسية من داعمي الإرهاب.
وجاءت تصريحات الرئيس التركي بعد أن استبعد أردوغان إحياء مباحثات السلام مع حزب العمال الكردستاني المحظور.
وتعهد أردوغان بإنهاء النزاع تماما في جنوب شرق تركيا، الذي يهيمن على سكانه الكورد.
ورقة اقليم كوردستان
لم تخل علاقات تركيا بقيادة اقليم كوردستان العراق من المشاكل حتى وقت ليس بالبعيد، إلا ان السياسية الذكية التي تعامل بها بالتحديد رئيس الاقليم مسعود بارزاني ورئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني، غيرت البوصلة صوب اربيل التي عدت قبلة اقتصادية وسياسية محورية.
وبالفعل كان ذلك، فقد لعب القادة الكورد دوراً ايجيابية بعملية السلام التركية مع حزب العمال، قبل ان تشهد الانهيار المدوي.
ويقول الكاتب الصحفي التركي، ممد اوزاك، لشفق نيوز، ان على قيادة حزب العمال، الاخذ بنصيحة قادة اقليم كوردستان والتوجه للحوار غير المسلح والمدني، قبل “فوات الآوان.
وتعد جبال قنديل، المنطقة الاستراتيجية في كوردستان، مصدر قوة لحزب العمال الكوردستاني، حيث يسيطر الـ PKK على جزء كبير من هذه المنطقة، وقد قاموا بإنشاء بلدية خاصة لهم هناك وتتكون من 49 قرية، وتعتبر مناطق قنديل من أهم المناطق في إقليم كوردستان، فهي غنية بالنفط وتشتهر بالزراعة وتربية الحيوانات.
توجد في إقليم كوردستان مجموعة من المخيمات الخاصة لإيواء الكورد من كل أجزاء كوردستان سواء في تركيا أو سوريا أو إيران، ولكن يوجد مخيم خاص للكورد القادمين من كوردستان تركيا، وهو مخيم (مخمور)، حيث يتواجد فيه أعضاء حزب العمال الكوردستاني، وقد تم انشاؤه في تسعينيات القرن الماضي من قبل النظام العراقي السابق، لإيواء اللاجئين الذين هربوا من تركيا أو تم إخراجهم عنوة في ذلك الوقت، والذين كانوا في مخيم اتروش في محافظة دهوك، ويزيد عددهم في مخيم مخمور عن 10 آلاف شخص.
ويقول المتحدث باسم حكومة اقليم كوردستان سفين دزيي ان القيادة السياسية في الاقليم تشجع الحوار بين حزب العمال الكوردستاني والحكومة التركية، ومستعدة لدعم اعادة الحوار بين الجانبين وحل القضية الكوردية في تركيا سلميا عبر الحوار.
واستبعد دزيي في الوقت نفسه ان يؤثر الخلاف الجديد بين حزب العمال الكوردستاني والحكومة التركية على العلاقات الثنائية بين الاقليم وتركيا التي شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الاخيرة.
ويبقى شاهدا التصريح المتكرر لرئيس اقليم كوردستان مسعود بارزاني عن الازمة التركية الكوردية، “عشر سنوات من الحراك المدني افضل من اقتتال مسلح”.