شفق نيوز/ قالت أرملة مسيحية عجوز تمكنت من النجاة بحياتها طوال عامين تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية لبلدتها في شمال العراق إن المتشددين هددوها بالقتل وأجبروها على البصق على صليب وجعلوها تدوس على صورة للعذراء مريم.
واجتمع شمل ظريفة بدوس دادو (77 عاما) بعائلتها يوم الأحد بعد أن طردت القوات العراقية تنظيم الدولة الإسلامية من بلدتها قرة قوش مع تقدمها صوب مدينة الموصل آخر معقل حضري رئيسي للتنظيم المتشدد في البلاد.
وعثرت القوات العراقية على دادو مختبئة في منزل كانوا يعتقدون أنّه مهجور أو مفخخ.
وهرب معظم سكان قرة قوش- أكبر بلدة مسيحية بالعراق- باتجاه إقليم كوردستان شبه المستقل قبل أكثر من عامين مع اقتراب المتشددين منها لكن دادو بقيت هناك مع عجوز أخرى واعتقد أقاربها لفترة طويلة أنها توفيت.
واستهدف تنظيم الدولة الإسلامية الأقليات الدينية في شمال العراق- وبينهم المسيحيون واليزيديون- بالقتل أو الطرد بعد إعلان الخلافة في المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا عام 2014.
وأدى استيلاء المتشددين على الموصل والبلدات المجاورة لها إلى طرد المسيحيين فعليا من المنطقة للمرة الأولى منذ نحو ألفي عام.
وقالت دادو التي تعاني من ضعف السمع لرويترز يوم الأحد إن المتشددين لم يؤذوها جسديا لكنهم هددوها وسرقوها وجعلوها تدنس رموز دينها وحاولوا إجبارها على اعتناق الإسلام.
وأضافت متحدثة من منزل أحد أقربائها في أربيل التي تبعد مسافة ساعة بالسيارة عن قرة قوش "طلبوا مني أن أبصق على الصليب. كنت أبكي من داخلي لكنني لم أستطع إظهار ذلك."
ثم طلب منها المتشددون أن تدوس على صورة لمريم العذراء كانت تحتفظ بها في منزلها. وقالت "قلت (لنفسي).. ‘يا مريم سأدوس عليك لكنك تعرفين أنني لا أقصد ذلك‘."
واجتمع شمل دادو- التي توفي زوجها عام 2014- مع شقيقها وأقارب آخرين في أربيل يوم الأحد حيث ذبحت عائلتها المبتهجة بسلامتها خروفا احتفالا بما اعتبروه معجزة نجاتها.
وجلست الأرملة العجوز ذات الحواجب الرمادية الكثيفة والأسنان المتآكلة والصليب الموشوم على معصمها وسط أقربائها الذين كانوا يبكون ويهتفون بينما كانت تروي الأحداث المروعة التي شهدتها.
وتحدثت دادو بمزيج من العربية والسريانية وهي لهجة قديمة متفرعة من اللغة الآرامية التي يقال إن المسيح كان يتحدث بها.
وقالت ابنة أختها إن العائلة فقدت الاتصال بها قبل نحو 18 شهرا عندما فرض تنظيم الدولة الإسلامية قيودا على الهواتف في المناطق الخاضعة لسيطرته.
وأضافت "لم نكن نعرف شيئا عنها. كان يمكن أن يحدث أي شيء."
"العالم كله سعيد"
ويعيش معظم المسيحيين في العراق في الشمال حول الموصل التي تعتبر واحدة من أقدم مراكز المسيحية في العالم ويعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي.
وقبل نحو 25 عاما كان يعيش في العراق أكثر من مليون مسيحي لكن أعدادهم تضاءلت خلال التسعينات عندما واجه العراق الحرب والعقوبات وتسارعت هجرتهم بعد موجات من الهجمات على المسيحيين خلال أعمال العنف الطائفي عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003.
وكان يعيش في بلدة قرة قوش التي تبعد نحو 20 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من الموصل 45 ألف شخص قبل أن تجتاح الدولة الإسلامية المنطقة.
وكانت دادو تنام في حديقتها عندما دخل المتشددون البلدة في أغسطس آب 2014 وأصدروا إنذارا لأهلها بدفع الجزية أو اعتناق الإسلام أو القتل.
وقالت إنها أرادت مغادرة البلدة لكنها في النهاية فقدت الأمل. وأضافت "بكيت لأنني احترت أين يمكن أن أذهب. لم يبق أحد في قرة قوش. لم يكن لدينا جيران.. لا أحد. كلهم غادروا."
وأشارت إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية كان يقدم لها ما يكفيها من الطعام للعيش لكنهم كانوا يقومون بزيارات مفاجئة إلى منزلها كانت تتركها مرعوبة.
وقالت دادو التي كانت ترتدي عباءة سوداء تغطي شعرها وتضع وشاحا بنفسجيا "كنا امرأتين تعيشان وحدهما. وكانوا يأتون في الليل .. في بعض الأحيان في الرابعة صباحا.. كنا نشعر بالرعب."
وأضافت "كانوا يقولون.. ‘يا أختاه لا تخافي نحن إخوتك. أنت واحدة منا الآن."
وسرق المتشددون كل ما هو نفيس من منزل دادو. وعندما أكدت لهم أنه لم يبق شيء ليأخذوه هددوها. وقالت "عادوا في يوم آخر وقالوا ‘إذا لم تعطنا مالك سنفرغ هذه البندقية الآلية في صدرك‘."
وحاول تنظيم الدولة الإسلامية مرارا حملها على اعتناق الإسلام. في البداية جادلتهم. قالت "حاولت أن أقول لهم ‘ما هو الفرق بين المسلم والمسيحي؟ كلنا نعبد الله."
وأضافت "كانت دقات قلبي تتسارع عندما كانوا يحاولون إقناعي بتغيير ديني. كانوا يحاولون إقناعي بنطق الشهادتين. قلت لهم إنني لا أعرف كيف أقولها ثم قلتها بالعكس."
وفي النهاية خضعت دادو. وقالت "كنت أقول ما يريدون. حياتي عزيزة علي لهذا قلت ما اضطررت لقوله."
وطرد تنظيم الدولة الإسلامية من قرة قوش قبل نحو تسعة أيام. ويوم الأحد ترأس أسقف الموصل للسريان الكاثوليك قداسا في كنيسة البلدة المحترقة للمرة الأولى منذ استعادة السيطرة عليها.
وفي أربيل عبرت دادو عن ارتياحها للعودة إلى عائلتها وأصدقائها وهي تجلس على أريكة تحت لوحة للعشاء الأخير. وقالت "ماذا تتوقع؟ ألن تكون سعيدا؟ الآن بات العالم كله سعيدا