في الذكرى السادسة والثلاثين لجرائم التهجير بحق الكورد الفيليين.. وابعاد اتفاقية الجزائر في شن صدام حربه على الجارة ايران العام 1980
عبد الصمد اسد/ لم يكن قرار الطاغية صدام بتهجير عوائل عراقية الى ايران واحتجاز الشباب من بين افرادها في سجون متفرقة داخل العراق الى اليوم قراراً آنياً اتخذه في لحظة غضب نتيجة القاء قنبلة على طارق عزيز اثناء انعقاد مؤتمر طلابي في جامعة المستنصرية ببغداد في الاول من نيسان العام 1980, والذي ادى الى مقتل شخصين واصابة عدد آخر بجروح, لان صدام وكما معهود عنه لا يعير لحياة الانسان اهمية مهما كانت صلته او رابطته به قوية, وانما دبرت تلك العملية لاعلان حالة الحرب ضد ايران تنفيذاً لمخطط مدروس وضعه قبل ان يوقع لشاه ايران المخلوع على وثيقة التنازل في الجزائر بشهر تموز من العام 1975, ولم تكن تلك الاتفاقية سوى خدعة من صدام تمكن بها اغراء الشاه بغرض حماية نظامه من السقوط بعد اشتداد قوة الحركة الكوردية بقيادة الزعيم الراحل ملا مصطفى البارازاني في اوائل السبعينات واقتراب الوضع العسكري لقوات النظام الى الانهيار حينذاك, وتلك الاتفاقية كانت بمثابة طوق النجاة له, والتي على اثرها تم انهيار مواقع الحركة الكوردية. ومن ثم تفرغ لاعادة بناء قواته العسكرية من جديد مستفيداً من عوائد النفط الضخمة في ذلك الوقت.. وتلك الاتفاقية مكنت صدام حسين ايضاً من إحكام قبضته على السلطة من خلال تعيين أقاربه وحلفائه في المناصب الحكومية المهمة بالإضافة إلى السيطرة على مراكز التجارة والأعمال وأن يحتكر السلطة فعلياً في العراق بخبث تمهيداً للاستيلاء عليها نهائياً في يوليو عام 1979 م, حين اجبر البكر بأن يستقيل بحجة العجز عن أداء المهام الرئاسية لأسباب صحية كما اعلن رسمياً وسلمت كل مناصبه لصدام حسين الذي أعلن نفسه رئيساً للجمهورية ورئيساً لمجلس قيادة الثورة وقائداً عاماً للقوات المسلحة. وقابل صدام استقالة البكر بتحديد إقامته في منزله إلى أن توفى في أكتوبر العام 1982. لقد عمد صدام من خلال اعفاء البكر واعدام مجموعة بارزة من قيادة البعث الى ازاحة من كان يعتقده عقبة في تنفيذ هدف اعادة ما تنازل به من حقوق عراقية في اتفاقية الجزائر عن طريق الحرب اياً كان سيكون النظام في ايران بعد ان بنى قوته العسكرية باتفاقيات عسكرية واقتصادية مغرية مع فرنسا والمانيا وتقاربه مع الغرب وابتعاده عن الاتحاد السوفيتي السابق, وعند اندلاع الثورة الاسلامية في ايران وارتباك الوضع الداخلي العسكري والاداري فيها, وابتداءاً من العام 1980 وكانه وجد ضالته في هذا الحدث الايراني بدأ بالتحضير الى شن عدوانه عليها بافتعال واثارة مشاكل حدودية كان الغرض منها التملص من التزامات بنود اتفاقية الجزائر, وكان من الواضح ان مخابراته اعدت وباشراف شخصي منه من اجل تحقيق ذلك السيناريو, نفذت اجهزته في الاول من شهر نيسان العام 1980 فصولها وهي محاولة اغتيال طارق عزيز في جامعة المستنصرية, الذي كان يحضر فيها مؤتمر طلابي , وتم تلفيق التهمة مباشرة بمدة قصيرة ضد الطالب سمير غلام وهو كوردي فيلي, وعلى غير عادة النظام نشرت اجهزته الاعلامية في اليوم الثاني تفاصيل تلك المحاولة المفبركة وزيارة صدام المفاجئة الى جامعة المستنصرية وخطابه العدواني الذي ادعى فيه انه ((ليس من عادته ان يهدد)) وفي نفس الوقت اقسم قائلاً (( نقول لكم والله, والله, والله وبحق كل ذرة من تراب ارض الرافدين..ان الدماء الدماء الطاهرة التي سالت في الجامعة المستنصرية لن تذهب سدى )). وفي الايام التالية لهذا التهديد بدأت اجهزته القمعية بحملات التهجير القسري والجماعي بحق العوائل الكوردية الفيلية, وان اول ضحاياها كانو التجار وكانت حجج النظام الواهية تتنوع بين الاتهام بعدم تعاطف هولاء مع النظام او معارضة بعض افراد عوائلهم او بحجة انتسابهم الى اصول ايرانية, بينما الآلاف من بينهم كانت وثائقهم الثبوتية من (تبعية عثمانية). وكما هو معلوم عن هذه الصيغة الطائفية والعنصرية المجحفة بحق الملايين من مواطني العراق انها وضعت او صيغت من اجل حماية موظفي ورعاية الدولة العثمانية التي انهارت اثر الحرب العالمية الاولى واعلان الملكية في العراق دولة مستقلة تحت الوصاية البريطانية في العام 1923 قانون رقم 22, وهذا القانون سيء الصيت قسم العراقيين الى ثلاثة اقسام وهم:
اولاً : العراقيون الاصليون ويشار اليهم بالتبعية العثمانية.
ثانياً: العراقيون من الدرجة الثانية, ويشار اليهم, أ- التبعية الايرانية, ب- التبعية الهندية.
ثالثاً: العراقيون من الدرجة الثالثة وهولاء هم التبعيات الاخرى من غير التبعيات العثمانية والايرانية والهندية..
وكعادته التآمرية لشن العدوان لاحقاً اتخذ من هذا القانون ذريعة لتلبيس تهمة غير شرعية كما حدث اولها مع مسرحية المستنصرية التي اتهم بفصولها المحبوكة سمير الفيلي كونه يحمل شهادة جنسية من الصنف الثاني (التابعية الايرانية) التي لا تختلف عن النوع الاول (التابعية العثمانية) ومن تلك البوابة تم دعوة مجموعة من تجار الشورجة وغالبيتهم كانوا من الكورد الفيلييين, بحجة وخدعة تخص الشأن التجاري, ومن ثم زجوا في سيارات كمعتقلين الى مديرية امن بغداد وبعد سحب وثائقهم الثبوتية نقلو الى الحدود الايرانية العراقية دون ابلاغ ذويهم وتركوهم تحت تهديد السلاح يعبرون الحدود الى داخل ايران. ومن هنا بدأت رحلة العذاب والمعاناة لتلك العوائل دون ذنب او جريمة اقترفوها, وكان الغرض من عملية الابعاد تلك للتجار هو لتجفيف المورد المالي عن اي نشاط معادي للنظام وللسيطرة على المفصل الاقتصادي اثناء الحرب هذا من جانب, واما من الجانب الاخر من جريمة تهجير العوائل الى ايران واحتجاز ابناءهم من الشباب الذين كان غالبيتهم من طلاب المدارس وكذلك عدد كبير من اقرانهم ممن كانو في الخدمة العسكرية, كان يعود الى تحسب النظام في ذلك الوقت من احتمال قيام ايران بالاستفادة من خبراتهم ومعلوماتهم وجهودهم او تجنيدهم في قواته العسكرية في ما لو تم تهجيرهم. وهذا الاعتقاد كان خاطئاً لانه لم يسبق وان اتهم اي فرد من هذ المكون الوفي للوطن تاريخياً بالخيانة. ولذلك اتخذهم المقبور صدام رهائن او اسرى للمساومة بورقتهم اثناء او بعد توقف تلك الحرب , والمؤسف انه بعد انتهائها لم يكشف النظام المقبور عن مصيرهم و الى يومنا هذا.
وبعد زوال الصنم لم نعثر على جثامين الآلاف من ضحايا جرائم نيسان المشؤوم حتى في ظل النظام الجديد الذي اصدر مجلس قضاءه القرار رقم (426) لسنة 2010 والذي نتمنى على الحكومة العراقية تفعيله وذلك عن طريق جهة قانونية خاصة بعيدة عن المزايدين السياسين الذي كعادتهم اجهضوا تنفيذه بدسائسهم المعهودة في تفتيت جهود المستقلين الحقيقين الساعين الى رفع الحيف والظلم عن كاهل اهاليهم...ولقد نص القرار ( باعتبار قضية إبادة وتهجير الكرد الفيليين جريمة من جرائم الابادة الجماعية بكل المقاييس، معززا لما اقره مجلس النواب واكده مجلس الرئاسة بقراره رقم (26) لسنة 2008 المنشور في جريدة الوقائع العراقية العدد: (4087) والمؤرخ في 22/9/2008),
وقد تعهد مجلس الوزراء في بيان له بتاريخ 8/12/2010 ( بإزالة كافة الآثار السيئة التي نتجت عن القرارات الجائرة التي اصدرها النظام البائد بحق ابناء الشعب العراقي من الكرد الفيليين (كإسقاط الجنسية العراقية ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة والحقوق المغتصبة الاخرى)..