علي حسين فيلي/ اولئك الذين يزورون الحقائق تخرج من بين ايديهم مفاتيح القضية ويخسرون مصداقيتهم، لذا نحن نفضل ان نبقى صادقون فقراء بدل ان نكون اثرياء فنشوه او نحرف او نخلط القضايا، فنحن الفيليين اليوم لو نحمل احزاننا الكبيرة لنسلمها الى الجهات الحكومية املاً في حلول بعد طول انتظار؛ لن نتفاجئ لو رأينا الشرائح المختلفة من المشردين والمهجرين وضحايا الارهاب والطائفية في كل بقعة من هذا البلد قد اصبحت في مقدمة طابور اولويات الحكومة، بلا شك وبكل هدوء وصمت سنترك هذه الاحزان ونعود من حيث اتينا وذلك لاسباب اولها ان حزن هؤلاء الابرياء هو حزننا وثانيها ان جراحهم وفواجعهم جديدة، ولو كان بأمكاننا فلن نتردد من ان نتقاسم معهم ما تبقى لدينا لاننا جاهزون للحزن ومتعايشون معه وكذلك في اغلب الاحيان كثير من الناس بقدر مايهتمون بصداع الراس الخفيف لايهتمون بهكذا محن ومعاناة لهذه الشرائح.
في الوقت الذي كنا نحتاج فيه الى التكاتف والتواصل والانسجام فيما بيننا، لم نتمكن من الوصول الى قرار مشترك ورؤية موحدة، وبرغم اننا لانشعر باليأس من اقتراب موعد انتهاء معاناتنا ، ولكنني اذكركم ان قرابة خمسة الآف يوم او مايعادل 13سنة بعد سقوط الصنم، اهدرنا العديد من الفرص من العمل بشكل مباشر في الساحة، وتقريبا يمكن القول اننا خسرنا في كل اللعبة السياسية وفي كل جولات الانتخابات ولانزال ندفع فاتورة آثار وبقايا اكثر من سبعين قانونا جائرا ساري المفعول على الرغم من اصدار مجموعة قليلة من قوانين تسعى لرفع الحيف وكسب الدعوى. ونحن خسرنا اجيالاً وخسرنا الفرص وقل تأثيرنا في الحياة السياسية .اتعلمون لماذا؟ صحيح الشعب العراقي بعد سقوط الصنم اصبح حراً، لكن لو دققنا لوجدنا ان الوضع اصبح كقطار خرج من السكة ويسير طليقاً ولكنه لن يصل الى المحطة المنشودة لان ليس هناك تجدد وحداثة في فكر ومضمون وخطاب ووجوه اصحاب قضيتنا . كلنا يدرك مع بداية حياة العراق الجديد كان ملف الفيليين في صدارة الملفات ومحل اهتمام الاحزاب الرئيسة المشاركة في السلطة ولقصتنا كثير من المستمعين والقراء والمتابعين وكانت قضيتنا مؤثرة لتأجيج الرأي العام وادانة النظام البائد على جرائمه البشعة وكانت مادة دسمة لصالح الاحزاب المهيمنة على السلطة بجميع توجهاتها، ولكن ومع مرور الزمن كلما كنا نقرأ ملفنا بدأ تأثيره بالتراجع الى حد جعلنا اليوم لانتمكن من ان نفعل اي شيء وكما ذكرت في المقدمة هناك من القضايا ماهي اكثر تأثيراً حاليا. ولكن مادمنا لانستطيع ان نؤثر على الرأي العام والحكومة ، لماذا نصر على الاستمرار بطرح قضيتنا بنفس النمط ؟ لماذا نصر على تكرار عزف مظلوميتنا بنفس النغمة؟. نتنمى ونتوقع من اولئك الورثة الحقيقيون ان يستلموا هذا الملف ويغيروا هذا الكابوس في المستقبل على الرغم انهم الغائب الاكبر حاليا وهم الجيل الحالي من الشباب. نحن المعنيين بكل المسميات ليس لدينا رسالة واضحة ولانملك قدرة تفويض المسؤولية لهم وبصريح العبارة اصحاب مصائب كبرى وخسائر تراجيدية مادياً ومعنوياً لأكثر من نصف قرن همشوا الجيل الحائر الحاضر ومصرون على العيش في الماضي، لماذا لانملك الجرأة والقابلية والارادة للعيش في الحاضر والحركة بأتجاه المستقبل؟
انا اقول لأولئك المتشائمين والسلبيين الذين يشكون من الرياح المخالفة لحقوقنا وماتتعرض له قضيتنا من عرقلة لتسويتها بتجارب مرة، اذكرهم ان الطائرة الورقية لاترتفع في الهواء إلا بمساعدة الرياح المعاكسة. ومن الطبيعي ان صراعات الحياة لا تنتهي دائماً لصالح الاقوياء ، اليوم او غدا سيكون الفوز حليفك لو كنت تؤمن به وبقضيتك العادلة فأطول قصص الحزن وادوارها ايضا تنتهي يوما من الايام.
وبدلاً من احتضان احزاننا كما اعتدنا ان نفعل، لابد ان نعرف ان المخرجين يعطون اصعب الادوار لافضل الممثلين، واذا كنا افقر الناس مادياً ولدينا اصغر الاحزاب والمؤسسات من حيث الامكانية ، مع ذلك نحن مجبرين على اداء واجباتنا ومواصلة كتابة تاريخ النضال الذي نؤمن به لان كل الاطراف والجهات تدخلوا في القضية كلاً بقدر حجم امكانياتهم وقناعاتهم ولو من الممكن ان تكون قراءاتهم وقراراتهم غير ناضجة، لان المشكلة الرئيسية في هذه القضية هي ان الاهداف الاستراتيجية ليس الوصول اليها سهل المنال كما هي الاهداف السطحية الآنية.
لذا ليس من السهل الخروج من منظومة الصراعات وتأثيرات التوجهات القومية والمذهبية والسياسية والجغرافية بشتى مناهجها. من منظار الاخرين احيانا مجرد طرح قضيتنا يخلق حساسية ويستوجب من جانبنا ايجاد براهين وادلة دامغة كي نثبت حقوقنا في أي فعالية او نشاط سياسي او ثقافي او اجتماعي او رياضي او اقتصادي وليس الانعزال عن شركائنا في خصوصياتنا في المذهب والقومية على الرغم انهم يتحمسون اكثر من اللازم تجاه من يتحمل عبء القضية ويسعى فيها ويهملون اولئك الحائرين وخصوصاً بعضاً من جيل الشباب الذي لايشعر بالمسؤولية بالنسبة الى مصير وهوية شريحتهم او يفتقر الى احساس التعلق والارتباط بأي هوية مؤثرة.
اتذكر في طفولتنا اسوأ اعدائنا كانوا اخواننا واخواتنا نتيجة الاصطدام بشيء ثمين للغاية بالنسبة لنا وهو العابنا وكان كل همنا كيفية تبرير افعالنا امام الكبار من خلال اتهام بعضنا البعض ومع كل الاسف اليوم وبدون اعتراف اننا جميعا خاسرين نبذل ماتبقى من طاقاتنا وقابلياتنا وجهودنا لاسقاط بعضنا الاخر، في حين يذكرنا الآخرون وبأصرار كي لاننسى هذا العبئ. واستغرب لماذا لانحاول او يساعدنا الاخرون على نسيان هذا النهج السلبي، فأنا اؤمن بمقولة "ليس هناك احد لايعتقد ان الذاكرة مثلما هي نعمة فهي نقمة في ذات الوقت".
يتبع...